د.أحمد بن علي المعشني:
أوقفنا سياراتنا ذات الدفع الرباعي في مكان يسمى (قيفوز أدعك) ثم انطلقنا نحمل حقائبنا الثقيلة على ظهورنا، اكتفينا بالقدر المعقول من الأكل والأمتعة وأكثرنا من قرش مياه الشرب تحسبا لنقص الماء، كان وصولنا قبل الغروب بقليل، اخترنا مكاننا وشرعنا في إزالة الأحجار الكبيرة وبذلنا بعض الجهد في تسوية المكان حتى يكون مهيأ للجلوس والصلاة، واحتطب زملائي بسرعة وأحضروا كميات من حطب شجر العراد (إصعب) المعروف برائحته الزكية عندما يشتعل ويبقى متقدا لفترات طويلة، وهو نبات ينبت في مناطق النجد والبادية.
كان حمل المتاع الثقيل على ظهري تجربة جديدة، بالرغم من نشأتي في الجبل ومروري بظروف ذات قدر كبير من المعاناة والجهد والتعب، لكنني لم يسبق لي أن حملت حقيبة ثقيلة مثلها، رفعتها على ظهري بمساعدة زميلي محمد أحمد بيت سعيد، ثم تحركت بها قليلا، شعرت بوطأتها وبثقلها، خاصة عندما بدأنا النزول عبر طريق منحدر جدًّا، فكنت أتوكأ على عصاي الطويلة المصنوعة من شجرة (الميطان) القوي، أضع قدمي بحذر، فكان ذلك منبها قويا لتركيز عقلي في اللحظة الراهنة، وإفراغ عقلي من كل شيء باستثناء حركة قدميي اللتين كنت أحركهما بحذر مع التأكيد على التخلص من الخوف، لأن الخوف عدو لدود للإنسان في مواقف الخطر.
وهو أخطر سبب من أسباب الفشل، وتذكرت عبارة كان والدي رحمه الله يكررها(انتيه) يعني انتبه، وكلمة (اتفروق لو) أي لا تخف.
أكبر درس تعلمته من المشي الجبلي الطويل هو التحرر من الخوف المرضي.
تعتبر الأماكن الوعرة اختبارا حقيقيا يكشف للشخص المخاوف والاضطرابات الدفينة التي تراكمت عبر السنين في عقله، هناك في المناطق الوعرة تظهر مخاوف الناس من الظلام ومن الزواحف ومن الأماكن الوعرة، وهي مخاوف بشرية واسعة الانتشار، ويستطيع الشخص الذي يعرض نفسه لهذه المواقف أن يعيد اكتشاف ذاته، وهذا ما أمارسه من خلال رياضة
(الهايكنج) خاصة عندما أمشي في أماكن وعرة، تتطلب توازنا بين العقل والحركة والمشاعر.
انتهينا من تلك المنطقة المنحدرة واستقبلنا طريق سهل طوينا التواءاته بسهولة، صارت الحقيبة أقل وطأة، وشعرت بأنني انتصرت وتجاوزت الصعوبة، وبدأت أشعر بالألفة بيني وبين ذلك الوزن، ما أجمل التدريب! قد يستغرب بعض الناس أن يمارس إنسان مثل هذه الهواية، ولكن لا يعرف فائدتها ومتعتها إلا من مارسها.
اقتربنا من هضبة (شط) توقفنا على ربوة تطل على شعاب ومنحدرات، فتحت هاتفي وذهبت إلى مقطع فيديو شاهدته في صفحة الشاب سعيد اليافعي، الذي كان في ذلك المكان منذ أسبوع، وحاولت أن أقارن بين ما رأيته في الفيديو وما أشاهده الآن، لكن التماثل كان مختلفا.
كان الفيديو محفزا جدا لزيارة المنطقة، يبدو المكان أجمل بكثير مما شاهدته في الفيديو، كان السكون يخيم على المكان الذي اخترناه للمبيت، ولاحت لنا فرصة تأمل لحظة الغروب، التحمت الشمس بالأفق البعيد، واشتد لونها احمرارا كما لو كان حزنًا، أو إيذانًا بالنهاية، أو التواري.
أحاول في تلك اللحظات أن أكون في الحاضر وأن أشرك حواسي الجسمية والروحية للتواصل مع نور الله بداخلي، لحظات نادرة تلك التي يعانق فيها وعيك النور، ويعبر عن ضيائه من خلال الشعور بالسعادة المطلقة، التي تجعلك تشعر بأنك قد خرجت من المعاناة إلى الفرحة والبهجة المطلقة.

* رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية