أحمد صبري:
تتداول قوى عراقية نافذة خيار اللجوء إلى الثلث المعطِّل لمواجهة خيار حكومة الأغلبية التي يدعو لها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عدَّها مراقبون استنساخ التجربة اللبنانية التي عطَّلت الحياة السياسية، وأدخلت لبنان بالمجهول، في محاولة لتعطيل عمل البرلمان ومنعه من الانعقاد من خلال عدم تأمين النصاب القانوني المطلوب.
وعلى الرغم من نجاح الأغلبية في تمرير رئيس البرلمان خلال الجلسة الأولى الذي حصل على 200 صوت، بينما هو يحتاج فقط إلى النصف زائدا واحدا، أي 166 غير أن مسلسل تسمية رئيسي الجمهورية والحكومة هي الأصعب؛ نظرا لاتهام الإطار التنسيقي الذي طعن بنزاهة الانتخابات وشكك بصدقيتها وهو إطار يضم القوى الخاسرة بالانتخابات التي ترفض خيار حكومة الأغلبية وتفضل حكومة توافقية.
قانونيا، يشكِّل الثلث المعطِّل تهديدًا قد يشل الحكومة المقبلة ولا يستطيع مجلس النواب التصويت لرئيس الجمهورية من دون حضور ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، المكوَّن من 329 عضوا.
وتكمن إشكالية الثلث المعطِّل بوجود نحو 75 نائبًا يمثِّلون الإطار التنسيقي المعارض لحكومة الأغلبية، وهو ما يعني أن المتبقي من عدد النواب لن يزيد على 250 نائبًا، وفي حال غاب 29 نائبًا من الكتل الأخرى والمستقلِّين فلن يكون هناك نصاب الثلثَيْنِ داخل البرلمان، ولن يحصل التصويت.
وفي ظل هذا الاستقطاب السياسي وانسداد أفق التفاهم بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، فإن لغة التهديد واستهداف السفارات والمواقع المدنية التي يلجأ إليها الرافضون لحكومة الأغلبية ونتائج الانتخابات هي رسائل سياسية تحمل في طياتها نذر معركة كسر عظم بين حلفاء الأمس لم تنجح وساطات طهران ولا رسلها لمعسكر حلفائها الذي بدأ يتصدع بعد إصرار الصدر على استبعاد نوري المالكي من أي حل وسط، وهو الخيار الذي رفضه الإطار وتمسك بالمالكي.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار مسار التوقيتات الدستورية في تسمية الرئاسات الثلاث، فإن الراشح يشير إلى أن تجربة السنوات التي أعقبت احتلال العراق من خلال حكوماته الخمس كانت فاشلة، وتحتاج إلى طيِّ صفحاتها المؤلمة التي لم تستطع مواجهة أزمات الفساد والأمن والاستقرار والفقر والجوع والإقصاء ومنع تغوُّل السلاح بالمجتمع وعسكرته.. هذا الفشل المتداول في الحكومات يحتاج إلى مراجعة شاملة لإنقاذ العراق وشعبه من ألاعيب الطبقة السياسية التي احتمت بنظام التوافق والمحاصصة الطائفية آن لها أن ترحل وتطوى صفحاتها بعد أن انكشفت سياستها وتنكرها لمطالب الشعب، ونتائج الانتخابات الأخيرة الدليل على صحوة شعبية هي امتداد لانتفاضة تشرين التي وضعت هذه الطبقة في قفص الاتهام لمسؤوليتها عن أزمات العراق الكارثية التي وضعت العراق في خانة الدول الفاشلة بعد تجربة السنوات العجاف.
وعندما نتوقف عند خيار الثلث المعطِّل، فإننا نرصد التسويق السياسي له من نفس الأحزاب التي تسيَّدت الموقف بعد احتلال العراق من دون أمل بالخروج من مأزقه، في محاولة لتعطيل الحياة السياسية وعسكرة المجتمع وبقائه رهينة لدى مروِّجي خطاب الكراهية، وسلاحهم غير الشرعي ونهجهم المتقاطع مع موجبات الدولة المدنية، وسيادة القانون وروح الاعتدال؛ لأنهم سيبقون في النهاية، رهن عقدة الثلث المعطِّل.