محمد عبد الحليم القاضي:
لإن كان سبب الفراق بين يوسف وأبيه إخوانه الذكورفلقدْ كان سبب الجمع بين موسى وأمه أخته الأنثى.. ولإن كان أبو يوسفَ لم يأمن إخوانه الذكور عليه وهو بين أحضانه في جوف بيتهفإنّ أم موسى أَمِنَتْ أخته الأنثى عليه وهو في صندوقٍ يجري في النهر إلى جوف قصر فرعون.. ولإن كان إخوة يوسف ضيّعوه وهم أحد عشر ذكرًا، فإن أخت موسى حفظته وردته إلى أمه وهي أنثى وحيدة.. ولإن كانَ أبو يوسفَ (قَالَ يٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلٰىٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا..) (يوسف ـ 5)، فإن أمَّ موسى قالتْ:(.. لِأُخْتِهِقُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِعَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (القصص ـ 11)،ولإنْ كان أخوة يوسف سببًا في إلقائه في الجُبِّفإن أختَ موسى كانت سببًا في إخراجه مِنَ اليمِّلإنْ كان أخوة يوسف قالوا:(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ..) (يوسف ـ 9)، فإن أخت موسى قالت:(.. هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلٰىٓ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُنٰصِحُونَ) (القصص ـ 12)، ولإنْ كان أخوة يوسف باعُوهُ (.. بِثَمَنٍۭ بَخْسٍ دَرٰهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزّٰهِدِينَ) (يوسف ـ 20)، فإنَّ أختَ موسى ضَحَّتْ بنفسِها واقتحمتْ قصرَ فرعونَ لإنقاذِ أخِيها، وكانتْ عليهِ من الحريصين
لإنْ كانَ أخوةُ يوسفَ الذكورُ سببًا في شقائه وحرمانه من أبيه، فإنَّ أخت موسى الأنثى كانت سببًا في إسعاده وردّه إلى أُمِّهفلو كان ليوسف أخت واحدة لقصَّتْ أثَرَه ولبَصرت به ولأنقذته كما فعلتْ أُختُ موسى، ولكانت بعد أن ألقوه في الجب، أخرجته بكل شفقة وحب، لإنْ كانَ أخوةُ يوسفَ ذكورًافلقدْ كانتْ أختُ موسى أنثى،ولذا كانت عناية الإسلام بالأخت منقطعة النظير، وقد أوصى بها النبي (صلى الله عليه وسلم) في غير ما حديث في السنة النبوية، من ذلك حديث أَنَس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَبِنَّ، أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ)، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (أخرجه الإمام أحمد في مسنده)،
فيا الله على هذا الثواب العظيم المترتب على حفظ الأخت ورعايتها.
ويحكي لنا الصحابي الجليل أبو رمثة البلوي أهم وصية سمعها في خطبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول:(انتهيت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسمعته يقول: برَّ أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك)(أخرجه الحاكم وأحمد.(
فهذه عناية بالغة أحاط بها الإسلام الحنيف الأخوات البنات، وما ذاك إلا لأنهن القلب الحاني، والحب الصادق والمودة الصافية، فلإن كانت الزوجة في كل وقت موجودة، والبنت على أي حال مولودة، فإن الأخت ـ يا قومِ ـ مفقودة، لا تعوضها الأيام، ولا تجود بمثلها الأزمان، ولا يغنيك عنها الأنام!.
ولو يعلم الإنسان منا ما يحويه قلب أخته له من الحب والمودة لَما أحزنها أبداً، ولا أساء إليها قط، لأن الأخت مفقودة؟!فالله الله في أخواتكم، أوصيكم بهنَّ خيرًا.

* إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية