لمحافظة مسندم مزايا تنفرد بها، تتمثل في موقع وجزء استراتيجي من عماننا الحبيبة، يلعب دورا كبيرا ومهما في تنظيم أحد أهم خطوط الملاحة البحرية في العالم. وفي أهميتها التاريخية .. ليس من المبالغة بمكان إذا قلنا بأن التاريخ الإنساني فيها قديم بقدم الإنسان قاطبة، حيث تشهد سلاسلها الجبلية والتي تنتمي إلى عصر الزحف الجيولوجي الثاني، ويعرف بعصري : " الكريتاس .. والميوسين "ويرجع تأريخهما إلى حوالي ألف وثمانمائة وخمسين مليون سنة، حسبما جاء في الموسوعة البريطانية ، و" لاروس" الفرنسية، وكذلك الموسوعة العربية الميسرة، ويشهد على ذلك أثر الوجود الإنساني العريق على هذه المنطقة، كما ويتجلى من خلال المعالم الأثرية المنتشرة كالقلاع والحصون والأبراج، ودور العبادة، في ولايات خصب وبخا ودبا ومدحا وغيرها. أما المكانة الجغرافية والسياحية فتضفي على مسندم أهمية عصرية بالغة، حيث مضيق هرمز الذي تنساب منه ما نسبته 90% من نتاجات نفط دول الخليج كافة إلى أسواق العالم الصناعي، إضافة إلى الجزر والخلجان الجميلة، والطبيعة الخلابة في: جبالها، وخلجانها ، وسهولها ، وشواطئها، إلى حد أن بعض الكتاب وصف هذه المنطقة ، بأنها : " نرويج العرب " ، أو ب: "نرويج الشرق الأوسط". إن أهم من هذا كله هو الإنسان، ابن مسندم، سواء كان رجلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا، قديما في العصور الماضية، أو معاصرا ، لأنه هو من ساهم ، وما زال يساهم في وضع سبل الحضارة الإنسانية.. فقد سعى سكان هذه المنطقة ـ ومنذ القدم ـ بكل جد وإخلاص من أجل المساهمة في بناء ونشر حضارة عمان الراقية، والحفاظ على نمط حياتهم المتميزة، وأعلام هذه المنطقة يسجل التاريخ مآثرهم بكل فخر واعتزاز.
وأسماء خالدة حفرت في الذاكرة العمانية من رجالات هذه المنطقة عبر التاريخ المجيد، الذين كانت لهم مساهمات بارزة عبر التاريخ، من أمثال: العتيك بن الأسد الأزدي، والذي ينسب إليه أزد العتيك، في مقابلة أسد شنؤوة، وجعفر بن خشم العتكي، وقد كان جعفر هذا من ضمن الوفد العماني الذي رافق الصحابي الجليل عمرو بن العاص، بعد أن بلغهم خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لتعزية الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ولمبايعة أبي بكر الصديق رضوان الله عليه بالخلافة. وسبيعة بن عراك الصليمي وكان زعيم قومه، من أهل دبا، وعندما اعتدى عامل أبي بكر الصديق، ظنا منه بأن أهل دبا ارتدوا عن الإسلام، واسم هذا العامل حذيفة بن محصن الغلفاني، فذهب ـ سبيعة الصليمي ـ رحمه الله - إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بالمدينة المنورة، يشكو إليه عامله، فأنصفهم أبو بكر ورد ما أخذه حذيفة إليهم من سبي. واشتهر أيضا شخصية بارزة كانت مع سبيعة من أبناء هذه المنطقة، واسمه المعلى بن سعد الحممي أو الحمامي. ومن أعلام هذه المنطقة قاضي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه على العراق كعب بن سوار، ويعود نسبه إلى قبيلة الشحوح، وهو من كبار التابعين، من أهل عمان، حيث أسلم في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يلتق به، وشهرته بالعلم والفقه معروفة. والشيخ محمد بن صالح المنتفقي، وقد اشتهر هذا الرجل بالعلم والزهد، حيث استقر في قرية كمزار، وهو ممن بايعوا الإمام سيف بن سلطان اليعربي، المعروف بقيد الأرض، وللشيخ محمد المنتفقي قصيدة في رثاء الإمام سيف بن سلطان اليعربي، ومطلعها :
الرب باق والخلائق فانية كرهت نفوسهم الفنا أو راضية
ومما قاله في ذلك :
نور الرعية سورها سمسورها وسرورها ,ابو الجنود النامية
مخدومنا سيف بن سلطان الإما م اليعربي بن الجدود السامية
ثم يقول :
حزني عليه مؤلم وملازم بل مسقم ومهدم أركانية
فلهم ولي حسن العزا في فقده ولده وأخيه ثم الحاشية

ومن رجالات وأعلام مسندم المعاصرين برز منهم الكثير ، من أمثال الشيخ محمد بن كمال، وهو الذي تنسب إليه الأسرة الكمالية، وهو من العلماء الذين تخرجوا من الأزهر الشريف، وبعد تخرجه من الأزهر أسس عدة مدارس، توزعت في مدينة خصب، وفي جزيرة قشم، حيث تخرج منها عدد من العلماء المعروفين في التاريخ العماني، وكان لهذا العلم عدة مقابلات مع السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطان عمان آنذاك، رحمه الله تعالى. والشيخ محمد بن صالح بن محمد الخزرجي ، الذي انتقل إلى مسقط منذ صغره طالبا للعلم، حيث تعلم هناك على يد عدد كبير من علمائها. والشيخ سالم بن حسين بن سالم الشحي والشيخ حسن بن أحمد بن حسن الزرافي والشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري والشيخ عبدالله بن محمد بن صالح الخزرجي ، صاحب المؤلفات الكثيرة (ومنها : إتحاف البشر في حوادث القرن الرابع عشر ، وكتاب بستان العشاق في مدح حبيب الخلاق، وكتاب اللؤلؤ المكنون في مديح النبي المأمون، وكتاب الفتاوي المسمى مطلع الأنوار البهية منبع الأسرار الفقهية، كما أن له ديوان شعر يعرف بديوان قصائد الخزرجي)، علما بأن آل خزرج تتوزع بين محافظتي مسندم والباطنة.

د. صالح الربخي