أ.د. محمد الدعمي:
لست أشك في أن هناك العديد من القيادات العربية أو المسلمة يراودها سؤال مهم، مفاده: ما عسانا أن نفعل لو نشبت حرب في أوروبا بعد حدوث غزو روسي لأوكرانيا؟ هذا سؤال خطير للغاية الآن، بلا أدنى شك: فهل من الحكمة بمكان أن ننحاز للروس، أو للحلفاء الغربيين؟ أم أن الحكمة تتطلب ضبط النفس، وعدم الانزلاق إلى مواجهات نحن في غنى عنها في العالم العربي؟
يذكرني هذا الاستفهام الخطير فيما حدث إبان الحرب العراقية الإيرانية (وهي أطول حرب طاحنة بعد الحرب العالمية الثانية)، إذ عدَّ العالم الغربي تلك الحرب بين جارين مسلمين فرصة ذهنية لتحقيق ما سُمي بـ"الاحتواء المزدوج" Double Containment، بمعنى: دع الدولتين تحرقان بعضهما وتبقيان تستنفدان خزائنهما من السلاح والعتاد، حتى "تُفلسا"، بمعنى الكلمة! وهذا ما تحقق للعالم الغربي، بكل دقة، إذ استهلكت الدولتان (العراق وإيران) ترسانتهما من الأسلحة والعتاد، وعمدتا إلى استيراد المزيد. وكانا هما الخاسرين النهائيين، بكل تأكيد.
وتأسيسًا على هذه التجربة الشرق أوسطية المريرة، يتوجب على العالم العربي أن يتجنب الانزلاق إلى أي موقف تشم منه رائحة الانحياز للكتلة الروسية (الشرقية)، أو لمقابلها، أي الكتلة الغربية (الناتو NATO) كي نتبصر مستقبلنا في حال نشوب حرب كبرى في أوكرانيا، ذلك أنها قد تتوسع إلى حرب عالمية (والعياذ بالله) بالنظر لما نشاهده من تكتلات داخل العالم الغربي والشرقي، على حد سواء (لبالغ الأسف). علينا، عربًا، أن نلتزم ضبط النفس وأن نحافظ على مسافة أمنية كافية لتجنبنا أية مواقف عدائية من هذه الجهة، أو تلك. علمًا أن ذلك ليس بالموقف اليسير؛ نظرًا لما يربط بعض الدول العربية من وشائج ومصالح بين الدول المتنافسة على حدود أوكرانيا (روسيا خصوصًا).
بل إن المصلحة القومية العامة تقتضي أن يُترك المتخاصمون هناك (في أوروبا) ليحلوا مشاكلهم فيما بينهم بأنفسهم، خصوصًا وأن تجربتي الحربين العالميتين (الأولى والثانية) تشير إلى خطورة الاصطفاف مع أية جهة أو خصم من الخصوم الكبار في العالم الغربي، علمًا أن على الدول العربية والإسلامية أن لا تدخر والمرء أن لا يدخر جهدًا (مهما كان) للمساعدة على الحلول الدبلوماسية السلمية.