[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن الحديث عن الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2015م حديث متجدد يأخذ أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية سخونة وبرودة، شدًّا وتراخيًا، بين مسؤولين بالدولة والمجتمع بمن فيه من الموظفين والعاملين، وذوي الضمان الاجتماعي، على خلفية التصريحات الصادرة من المسؤولين.
فبعد السخونة التي أطلقها بيان وزارة المالية تحت قبة مجلس الشورى وما أثاره من هواجس تمس أوضاع الموظفين وترقياتهم ومسألة الباحثين عن العمل، وتمس بصورة عامة الاقتصاد الوطني بسبب التراجع اللافت في أسعار النفط، جاءت تصريحات صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء لتصب ماء باردًا على الرؤوس المصابة بسخونة القلق والتوجس مطمئنًا المواطنين بأن "التقييم الذي تقوم به الحكومة ومؤسسات الدولة المختصة لتخطي الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الانخفاض الحاد لأسعار النفط، هو من أجل أن تتبلور تلك الخطوات إلى حلول عملية تأخذ في الحسبان العديد من الاعتبارات المناسبة والقابلة للتطبيق"، وحول التعاطي مع هذه المتغيرات الماثلة حاليًّا على الساحة النفطية أوضح سموه أنه "قد روعي فيه عدم التأثير على الجوانب الحياتية للمواطنين، وما يقدم لهم من خدمات أساسية، كما أنه لن يؤثر على سياسات التعمين والتوظيف وبرامج التدريب والتأهيل في القطاعين العام والخاص، وكذلك ما يتعلق بمستحقات الموظفين والعاملين في الدولة باعتبارها ثوابت أساسية".
ليعقب هذا التصريح، تصريح آخر أدلى به مؤخرًا معالي الدكتور محمد بن حمد الرمحي وزير النفط والغاز، لكنه هذه المرة من العيار الثقيل، حيث طرح جملة من المقترحات رأى فيها حلولًا للتخفيف من عبئي تراجع الإيرادات وارتفاع الإنفاق في موازنة 2015 خاصة مع استمرار أزمة النفط، وتتمثل في رفع الدعم عن سعر المحروقات أو البترول في الدولة وحل مشكلتها، وإعادة النظر في تقييم المشروعات ووضع القيم العادلة لها لتحقيق أكبر قدر ممكن توفيره مع عدم تعطيل وتيرة النمو والتطوير في البلد، ورفع رسوم تجديد السيارات وإباحات البناء، وفرض ضرائب على كل مواطن يمتلك أكثر من عقار؛ أي أكثر من منزل. ولا ريب أن هذا التصريح هو تصريح على غير العادة أن يأتي من مسؤول معني بقطاع واحد وهو قطاع النفط والغاز، وبالتالي فهو حمَّال أوجه، إذ يحتمل أن المراد منه أن يكون مقياسًا لردة فعل المجتمع.
وبالنظر إلى منسوب ما جرى من ماء تحت جسر الميزانية العامة ومحاولة الجمع بين مصادره، نجد أن هناك اعترافًا ضمنيًّا بعدم تحقق النجاح المنشود في تنويع مصادر الدخل من أجل خفض نسبة الاعتماد على النفط الذي لا تزال نسبة مساهمته في الدخل ثمانين في المئة تقريبًا، بل إن التنويع يكاد يكون شعارًا على الورق وعلى لسان بعض المسؤولين رغم وجود المرافق الخدمية الأساسية التي تحتاجها البنية التحتية، فضلًا عن ما يرتبه هذا الإخفاق من مسؤوليات وإحراجات أمام قائد البلد الذي لم يفتأ يحث ويوجه الحكومة بأهمية تنويع مصادر الدخل منذ سبعينيات القرن الماضي. كما أنه يفهم من جملة التصريحات أن ثمة اتفاقًا على وجود مخاطر حقيقية تحيط بالموازنة إذا استمر تهاوي أسعار النفط.
على أن هذه التصريحات تحت مجهر الفهم تعطي انطباعًا بأن ما سيتم تقديمه باليمين من الخدمات الأساسية ومتطلبات الحياة المعيشية للمواطنين، سيؤخذ منهم بالشمال في صورة ضرائب ورسوم مضاعفة.
المشكل أن هذا الإخفاق الذي كشفه تراجع أسعار النفط، هناك من لا يريد أن يعترف به أو يحاول التملص منه بالهروب إلى الأمام بمحاولة منع حصول أي تهديد حقيقي أو التخفيف منه حول ما يخص الميزانية العامة للدولة باللعب في المنطقة الاجتماعية الرخوة المتمثلة في الطبقة الكادحة ومحدودة الدخل والضمان الاجتماعي، لأن أي إجراءات من تلك الإجراءات السابقة لن يشعر بها سوى هذه الطبقات.
كنا ولا نزال نتمنى أن تأخذ المعالجات مقارباتها المعقولة والموضوعية والمنطقية وتبتعد عن التمييز المتعمد في عملية استهداف طبقة دون أخرى، مع أهمية الاعتراف بالخطأ وعدم الاستمرار فيه أو الهروب منه، فالاعتراف فضيلة تعبر عن وعي وفكر وفهم وثقافة وتقدير للأمور وتحمل للمسؤولية. وفي تقديري إذا ما كانت ثمة إرادة لمعالجات حقيقية للأوضاع الاقتصادية الراهنة وتخفيف الأعباء عن الميزانية أن تبدأ من خلال:
أولًا: إعادة النظر في المخصصات المالية للوزراء والخدمات المجانية المدفوعة من خزينة الدولة والتي تعد أموالًا للشعب، سواء من حيث الامتيازات الكبيرة التي يحصلون عليها في مهماتهم الخارجية والمكافآت الكبيرة، أو من حيث التموين وخادمات قصورهم والسيارات الحكومية المتعددة التي يكاد أن تخصص لكل وظيفة أو مهمة أو مصلحة لهم أو لعائلاتهم سيارة. مع مراقبة أملاكهم وأرصدتهم التي تضخمت وتوسعت بسرعة البرق، في حين أن لو كل وزير ظل يجمع راتبه فقط لخمس سنوات أو عشر لن يتمكن أن يمتلك ما يمتلكه الآن. وما ينطبق على الوزير ينطبق على من هو أدنى منه رتبة.
ثانيًا: إعادة النظر في السيارات الحكومية التي تملأ شوارع البلاد أثناء الدوام الرسمي وخارجه، وما تمثله هذه السيارات من أعباء مالية ضخمة على كاهل خزينة الدولة من حيث تكاليف إصلاح أعطالها وحوادثها وصيانتها، وما تسهم به من ازدحام واكتظاظ في الشوارع، بل إنها ولَّدت أمراضًا نفسية لدى أغلب مستخدميها من حيث التكبر والتباهي والتفاخر.
ثالثًا: إعادة النظر في سياسة الخصخصة فلم تحقق هذه السياسة المرجو منها، وإنما حولت مؤسسات حكومية كانت تقدم خدمات راقية للمواطنين إلى قلاع وحصون رأسمالية متوحشة هدفها الربح ولا غيره، لا سيما بعدما تحولت إلى شركات أهلية خاصة.
رابعًا: رفع الدعم يجب أن لا يشمل كل الخدمات المدعومة، وإنما بالإمكان البدء بخدمة واحدة كالمحروقات على سبيل المثال، مع مراعاة عدم الإخلال بالطبقات غير المقتدرة واتخاذ آليات وتدابير تراعي مصالحهم. ومع الاعتراف بأن قيام دول الخليج برفع الدعم عن المحروقات عدا السلطنة من شأنه أن يضاعف عمليات التهريب، فضلًا عن زيادة الطلب على المحروقات في محطات الوقود بالمدن الحدودية.
خامسًا: إعادة النظر في المشاريع المطروحة للاستثمار القائمة أو المنوي إقامتها، إلى أجل غير مسمى، وإعادة النظر في الاعتمادات الباهظة للمشاريع والتي تتجاوز قيمتها الحقيقية، والتي فضحتها أكثر من مرة الأوامر التغييرية، مع فرض رقابة صارمة ونزيهة عليها.
سادسًا: تفعيل قوانين التنافسية ومنع الاحتكار والضرب بيد من حديد على يد بعض التجار المتلاعبين، سواء بالأسعار أو بعواطف الناس وتجييشهم ضد الحكومة، ونسبة نتائج جشعهم وطمعهم إلى الحكومة كنوع من الانتقام جراء مثل هذه القوانين أو غيرها من الإجراءات التي تستهدف مصلحة الوطن والمواطن، فهناك الكثير من أمثال هؤلاء من يريد أن يتهرب عن الضرائب، وأن لا يلتزم بسياسة التعمين، ومنهم من ينظر إلى العامل المواطن نظرة دونية والذي يرى أن الحكومة فرضته عليه فرضًا ليعمل في مؤسسته.