يأتي احتفال الأُمَّة الإسلاميَّة بذكرى الإسراء والمعراج ـ على صاحبها أفضل الصَّلاة وأزكى التَّسليم ـ تذكيرًا بما تحمله هذه المناسبة الغالية من قِيَم ومعانٍ سامية. فهي ليست مجرَّد معجزة مدَّ بها الله سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم، لكنَّها ذكرى نقف عندها لنستمدَّ منها المنهج، ونعيَ ما بداخلها من عِبر ودُروس، أوَّلها الرحمة الإلهيَّة وتعقيب العُسر باليُسر، فقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج في عام الحزن، حيث مات عمُّ النَّبي الحنون أبو طالب وماتت زوجته السَّيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ فأتت الهديَّة الربانيَّة من المولى عزَّ وجلَّ لِتُؤكِّد للنَّبي والمؤمنين أنَّ الله جلَّ وعَلا لَنْ يتخلَّى عن خاتم رُسُله، فكافأه برحلةٍ كانت بمثابة التكريم، ومنها بدأ التَّمكين للدَّعوة النبويَّة، بعد أنْ انقضت الأسباب الدنيويَّة بموت عمِّه وزوجته، لينطلق الرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بِرُوحِه وجَسَدِه برحلةٍ ربانيَّة ومعجزة سماويَّة خارقةٍ لكُلِّ نواميس الطَّبيعة.
كما كانت هذه الرحلة المباركة الحدَّ الفاصل بَيْنَ مَنْ ينتظر دلالةً للنبوَّة، ومَنْ يكفر جحودًا، حتَّى وإنْ رأى الله جهرًا. فقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج مُخالِفةً لكُلِّ القوانين البَشريَّة صعبةَ التصديق، ووقف رسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم أمام جحافل قريش وحيدًا أعزل، لكنَّه قويٌّ مَتين بثِقته بالله تعالى ليقُصَّ عليهم الخبَر وينبئهم بكامل التفاصيل، لينقسم القوم إلى فريقَيْن: فريق مؤمن مصدِّق لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وآخر جاحد للحقيقة كافرًا بالله سبحانه وتعالى، لتكون حدًّا فاصلًا بَيْنَ الكفر والإيمان، ليُسمَّى الصدِّيق أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ صدِّيقًا؛ لإيمانه ويقينه بصدق النَّبي بمقولته الخالدة (إنْ قال فقد صدق)، والتي قالها عندما جاء المشركون يقصُّون عليه قول النَّبي بشأْن تلك الرحلة المباركة، فكان اليقين عنوانًا للصدِّيق، وتأكيدًا على قوَّة إيمانه، فلم يبحث سيِّدنا أبو بكر عن أسبابٍ دنيويَّة ليصدِّق النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فكان إيمانه مطلقًا لا شُبهة فيه، وقال إنِّي لأُصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أُصدِّقه بخبر السماء في غدوة أو روحة.
إنَّ حادثة الإسراء والمعراج درسٌ أبديٌّ واختبارٌ ربانيٌّ نجح فيه من نجح فبلغ درجة الصدِّيقين، وقد فرض الله على نبيِّه في حادثة الإسراء والمعراج الصلوات الخمس؛ لتكون معراجًا للمؤمنين إلى الله جلَّ جلاله، خمس مرَّات في اليوم والليلة سجودًا واقترابًا "واسجد واقترب". حيث لا تصفو الروح إلَّا بتحقيق صِفة العبوديَّة المُطلقة لله، ومن كان أكثر عبوديَّة كان أصفى روحًا، فعرف الله ورأى آياته، فقد بدأت الرحلة بمسجد وانتهت إلى مسجد بيانًا لمكانة المسجد عند الله عمومًا، ومكانة المسجدَيْنِ؛ المسجد الحرام والمسجد الأقصى خصوصًا، ولو كانت هناك بقعة أطهر من المسجد وأكرم عند الله منه لكانت رحلة الإسراء منها وإليها.
ويأتي الاحتفال بهذه الذكرى الغالية على نفس كل مسلم، والتي كرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم، سواء بصعوده إلى السماء، أو بإمامه الانبياء، تأكيدًا على أن الإسلام هو الرسالة الخاتمة التي جاءت لخير كُلِّ البَشر، وأنَّ الإيمان بالنَّبي الخاتم واتِّباعه واجب على كُلِّ إنسان، فقد كان أنبياء الله ورُسُله قُدوةً للبشريَّة، في رحلة الإسراء والمعراج، أمَّا المسلمون فيَجِبُ عليهم أنْ يأخذوا من رحلة الإسراء والمعراج منهجًا في حياتهم، وأنْ يُرسِّخوا في أجيالهم الحاليَّة والقادمة المعاني والدلالات لتلك الرحلة العظيمة.