البعض يشكك في الروايات حول حادثة المعراج ويقول إنها بعيدة عن التصديق من خلال تحليل متون تلك الروايات، فما حكم من أنكر المعراج استنادًا إلى مثل تلك التحليلات؟
نحن كما قلنا سابقاً نعوّل على قول من قال بأن من أنكر المعراج يُفسّق، لأن الإشارة إليه واضحة في القرآن الكريم، ومن أنكر الإسراء يُشرّك، أما بالنسبة إلى الروايات ليست متونها كلها متساوية، طبعاً قد يكون في بعض المتون ما يدعو إلى النظر ويدعو إلى التأمل ، ولكن هي في مجموعها قوية وتدل على أمر ثابت، هذا في مجموعها، لا أعني أن كل واحد من هذه المتون كذلك، ولكن في مجموعها تدل على ثبوت ما جاءت دالة عليه بمجموعها ، فيعوّل على مثل هذه الرواية مع استفاضة هذه الروايات وشد بعضها أزر بعض .
يرى بعض العلماء أن المعراج حدث مرتين ويستدلون على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (النجم13 ـ 14)، فما هو رأيكم سماحة الشيخ؟
هذا كلام من لم يطلع على الحديث أو من تجاهل الحديث، لأن حديث النبي (صلى الله عليه وسلّم) يقول بأن ذلك جبريل لم أره في صورته التي خلقه الله عليها إلا مرتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض، فالمرة الأولى التي رأى فيها النبي (صلى الله عليه وسلّم) جبريل كهيئته التي خلقه الله تعالى عليها إنما كانت في بداية الوحي عندما ناداه من السماء فرفع بصره إليه فرآه في السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض، فرجع النبي (صلى الله عليه وسلّم) وهو ترجف بوادره مما ألم به من الخوف الطبيعي الذي ينتاب كل أحد عندما يرى أمراً كهذا الأمر الذي هو خارج عن المألوف، فهذا بطبيعة الحال روّع النبي (صلى الله عليه وسلّم)ورجع إلى أهله وقال: زملوني زملوني كما ثبت ذلك، وأنزل الله تعالى فيه (يا أيها المدثر) و(يا أيها المزمل) إلى آخره، والمرة الثانية هي هذه المرة التي وقع فيها هذا الحدث كما أخبر الله تعالى فيها بقوله:(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم13 ـ 18)، فهذا مما دل عليه القرآن، والسنة جاءت موضحة لما أجمله القرآن الكريمفيعوّل على ذلك، أما أن يقال بأن الحدث تكرر مرتين، فالمرة الثانية متى كانت؟ هل بعدما فتح النبي (صلى الله عليه وسلّم) مكة؟ أو عندما سار في عمرة القضية بعدما صد عن الحديبية؟لا، فإذا كان إنما كان هذا الحدث قبل الهجرة فليس هنالك دليل على وقوعه مرة أخرى، القرآن ذكر ذلك مرة واحدة، سورة النجم سورة مكية، سورة الإسراء سورة مكية، فكيف يقال بأن هذا الحدث وقع مرة بالمدينة ومرة بمكة، ليس هنالك من دليل على هذا قط .
ما هي أوصاف دابة البراق، وهل صحيح أنها طلبت من الرسول (صلى الله عليه وسلّم) الشفاعة؟
هذه الأوصاف إنما تتوقف على الأدلة الصحيحة الثابتة، وهذه أمور هي من الغيبيات التي نحن لم نكلف تفاصيلها، فلا داعي إلى التساؤل عنها أو الخوض فيها ، إذ الإنسان في هذه الأمور الغيبية لا يتحدث إلا بدليل قاطع يعتمد عليه ، أما الأدلة الضعيفة بل حتى الأدلة الصحيحة التي هي غير قطعية لا يعوّل عليها في مثل هذه القضايا إنما يعوّل على الأدلة القطيعة لأنها أمور غيبية .
ما هو المعراج؟
المعراج يقصد به العروج إلى المقامات العلى، هذا هو المقصود. الأصل معراج مفعال، ومفعال يطلق على الآلة، ولكن يراد به هنا العروج.
ما هي وسيلة المعراج؟
نحن نعلم أن الله تعالى يصنع ما يشاء ويفعل ما يريد، الله تبارك وتعالى يدّبر هذا الكون كما يريده، ينقل الشمس من مكان إلى مكان كما يقول العلماء الآن بأنها تقطع في الثانية الواحدة اثني عشر ميلاً، والشمس هي أكبر من الأرض بمليون ضعف ومع ذلك تقطع هذه المسافة، ما هي الوسيلة؟ إنما هي قدرة الله تعالى التي أحاطت بكل شيء، فضلاً عن الأجرام الفلكية الأخرى التي هي أكبر من الشمس بكثير، وهي أسرع من الشمس بكثير، كل ذلك مما يدل على أن الله على كل شيء قدير، فهل الله سبحانه وتعالى يعجزه أن يعرج بعبده ورسوله (صلى الله عليه وسلّم) من غير وسيلة، وهل هو بحاجة إلى الوسيلة، إنما علينا أن نسلّم الأمر لله تبارك وتعالى وأن لا نخوض في ذلك .