عادل سعد:
هو قصور في التحليل حين يعتقد البعض أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن مستعدًّا لكل احتمالات المواجهة الأميركية الأوروبية في التصدي للأهداف التي اجتاحت القوات الروسية على أساسها أوكرانيا.
وهو قصور في التحليل أيضا أن لا تكون هناك ذيول لهذه المواجهة، ستمتد إلى العديد من المنصات السياسية والأمنية داخل أوروبا، بل وفي العالم.
انعكاساتها على صعيد الساحة الدولية رسمه المسعى الأميركي الأوروبي في قرارٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة بتحميل المسؤولية على موسكو للذي جرى بعد أن قطع المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي الطريق باستخدام الفيتو، وهكذا أيضا، ومع كل ما يبث وينشر من معلومات عن سير العمليات العسكرية والاتصالات السياسية يظل السؤال المحوري الذي ينبغي الاشتغال عليه هو: إلى أين تتجه الأحداث؟ وما المخاطر المحدقة المتعلقة باحتمال استخدام الأسلحة الاستراتيجية بعد قرار الرئيس بوتين في وضع هذا النوع من الأسلحة في حالةِ استنفارٍ كاملٍ؟
عمومًا، الوضع العام لم ينكمش عن التصعيد حتى الآن، بمعنى مضاف لم تنقلب الموازين رأسًا على عقب، وبالسياق، ولأسباب لوجستية ترتبط بالأهداف التي حركت ما جرى، هناك جملة حقائق ينبغي الأخذ بها، أن المشهد برمته لا يحتمل هزيمة مطلقة وخسارة جسيمة كاملة الأوصاف لأحد الطرفين، الروسي، أو الأوكراني بالمساندة الأوروبية والأميركية، ستبقى المراهنة على حلول وسطية تضمن فيها موسكو الحدَّ من طموح كييف في الانضمام إلى حلف الناتو وإعلان حيادها على قياس سويسرا، أو القبول بانضمام أوكراني للناتو مقيد بشروط تقبل بها موسكو، وإذا تعذر ذلك، فسيتم الاكتفاء بمراجعة اتفاقية مينسك لعام 2015، وستظل القيادة الروسية تعوِّل على قدراتها العسكرية الكبيرة التي لم تستخدم منها إلا القليل وفق تقديرات الخبراء، وإذا اقتضى الحال ستجد في العمق الجغرافي والاقتصادي الصيني رصيدًا إضافيًّا لها، كما تأمل أن يعطي حصارها الجوي والبحري على أوكرانيا نتائج لصالحها، ولمواجهة الأضرار التي تسبب بها حرمانها من تسهيلات نظام "سويفت" والعقوبات الأخرى، ستعالج أوضاعها المالية بأقل الخسائر وستلجأ إلى تقنين الحاجات المالية والمعاشية، مقابل كل ذلك تأمل إدارة الرئيس الأميركي بايدن وزعامات الاتحاد الأوروبي أن تعطي العقوبات نتائج تجبر موسكو على تليين موقفها، إضافة إلى ما سيمرره الأميركيون والأوروبيون من أسلحة إلى أوكرانيا لمقاتلة القوات الروسية رغم أن هذا التوجُّه يزداد صعوبة مع السيطرة الروسية على الحدود البحرية انطلاقًا من أسطولها في البحر الأسود، وكذلك سيطرتها على الأجواء الأوكرانية.
إن الانسداد الدبلوماسي القائم الآن بين الطرفين لن يكون صارمًا بدليل الاتصال الهاتفي الذي جرى في اليوم الخامس من العمليات العسكرية بين الرئيسين، الفرنسي ماكرون، وبوتين، أما عسكريًّا، بات مؤكدًا أن تشهد الأيام القليلة المقبلة ضربات للطيران الروسي لأي معدات عسكرية أوروبية أو أميركية متطورة تصل إلى الأراضي الأوكرانية. وإذا كانت الحرب سوف تطول وفق ما تنبأ به ماكرون فإن الأضرار التي ستتحملها روسيا وأوكرانيا والأوروبيون ستكون كبيرة وإن ليس بمعدلات متساوية للأطراف الثلاثة.
بحساب المؤشرات ستقترب الصين إلى روسيا أكثر وسيضغط الموقفان الألماني والفرنسي للتفتيش عن مخارج معقولة للحدث بمساعدة إيطالية ومن دول أوروبية أخرى لا ترى من مصالحها استمرار الحرب، أما الموقف البريطاني فسيظل يتماهى مع متغيرات الموقف الأميركي.
وبحساب المؤشرات أيضا، سيذهب الحدث إلى ما يمكن الاصطلاح عليه (مقترحات الساعة)، ولعل ما يدعو إلى الاطمئنان حتى الآن، ليس هناك من يقول (عليَّ وعلى أعدائي).
إجمالًا، في ظل ازدحام الترسانات النووية، وبحكم ضغوط العنف، الاستثمار المريح في الحدث ليس واردًا أصلًا؛ لأن المكاسب ستكون شحيحة إن لم تكن معدومة، وهذا لا بد أن يشكل عامل ضغط شديد على المتخاصمين للمداورة في الأهداف من أجل التقريب بين وجهات النظر.
لقد قالها أنشتاين (أنا لا أعرف الأسلحة التي سيستخدمها الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه سيستخدم العصا والحجارة في الحرب العالمية الرابعة).