يفرض التنافس العالمي، خصوصًا في أسواق الطَّاقة المُتجدِّدة، سرعة في الإنجاز لا تخلُّ بدقَّة التخطيط والترتيبات. فالفُرص في هذا القطاع ـ الذي يُنظر إليه على أنَّه المُستقبَل ذاته ـ تشهد تنافسيَّة شديدة؛ لأنه يعتمد على الطبيعة كمَصْدر بديل للطَّاقة، سواء كانت شمسيَّة أو عن طريق الرياح، وهي مُقوِّمات موجودة في معظم دُوَل العالم بنِسَبٍ متفاوتة، ويبقى الرهان على سرعة الإنجاز وامتلاك التقنية، وتوطينها في هذه الدولة أو تلك، وأنْ يصبح للبلاد، السَّاعية لأن تكون مصدرًا لهذه الطَّاقة بأنواعها المُتعدِّدة، رؤية واضحة، وخطط وبرامج سريعة تملك من الحوافز الجاذبة لرؤوس الأموال المستثمرة الكثير. فصاحب السَّبق سيكون له ريادة إقليميَّة وعالميَّة، وهذا ما أدركته السَّلطنة منذُ عقود، وسَعَتْ لتوطين مشاريع مُتعدِّدة للطَّاقة المُتجدِّدة، تواكب بها العصر، وسَعَتْ في خضمِّ تجديد نهضتها تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى رسْم خطط تنمويَّة جعلت مشاريع الطَّاقة الخضراء إحدى ركائز خططها التنفيذيَّة، حيث تسعى رؤية "عُمان 2040" إلى أنْ تُسهم مشروعات الطَّاقة المُتجدِّدة في إنتاج ثلث إجمالي توليد الكهرباء عام 2030.
ولعلَّ تَوْجيهات جلالة القائد المفدى في اجتماع مجلس الوزراء الأخير تعكس هذا العزم العُماني؛ لِتكُونَ السَّلطنة إحدى الدُّول ذات الريادة في قطاع الطَّاقة المُتجدِّدة، فقد وجَّه جلالته ـ أبقاه الله ـ بمُواكَبة التحوُّلات العالميَّة في هذا المجال، والعمل على تسريع إجراءات تنظيم هذا القطاع، ووضع الأُطر القانونيَّة والسِّياسات اللازمة لنُموِّه، وهو ما يعكس إصرار السَّلطنة على توطين تلك التقنية، عبْر بناء قواعد بحثيَّة لتنمية المهارات في هذا المجال تجاه تبنِّي الطَّاقة الخضراء، والتي تنطلق بالاقتصاد الوطني نَحْوَ تحوُّل وانعطاف يرصد المُستقبَل ويتَّبع أدواته، فالطَّاقة الخضراء هي طاقة المُستقبَل القريب، وهذا ما تدركه القيادة السياسيَّة الحكيمة، وحرصت على ترسيخه خططيًّا عبْر رؤية "عُمان 2040"، وتأكيده في المشاريع التي يتمُّ افتتاحها تباعًا في هذا المجال.
وتبقى سرعة الاستجابة الحكوميَّة لتحقيق تلك المشاريع على أرض الواقع هي الرهان الحالي، فالكُرة الآن في ملعب الجهات التنفيذيَّة، وعليهم أنْ يدركوا أهميَّة مثل هذه المشاريع التي يتنافس العالم أجمع على توطينها، وتزيد التنافسيَّة عندما يتعلَّق الأمر بجذب رؤوس أموال استثماريَّة في هذا القطاع الواعد. ولعلَّ خروج تصريح سريع من مصدر مسؤول بوزارة الطَّاقة والمعادن، ليعطي ملامح الخطوات المستقبليَّة لترجمة المشاريع لواقع ملموس على أرض الواقع، شيء محمود ذو أهميَّة كبرى، حيث بَلْوَر التصريح الخطوات العمليَّة التي سوف تتَّخذها الجهات ذات الصِّلة، أولًا لتحديد المواقع المناسبة لإنتاج الطَّاقة المُتجدِّدة عبْرَ طاقة الرياح والشمس ثمَّ توجيهها لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والتي ستتمُّ ـ وفق المصدر ـ بالتعاون مع الجهات الحكوميَّة المعنيَّة كوزارتَيْ الإسكان والتخطيط العمراني والدفاع وهيئة البيئة.
إنَّ هذا التصريح الأخير من الوزارة قد رسم ملامح لمستقبَل هذه المشاريع في السَّلطنة، فكان بمثابة دليل إرشادي لملامح العمل المستقبَلي، وقد يُسهم في التسويق الأوَّلي للمشاريع المُزمع إقامتها، خصوصًا بعد التَّوجيهات السَّامية الأخيرة، والتي بالتَّأكيد ستجعل الهادفين لتلك الاستثمارات أكثر ثقة. فالإعلان جاء من القيادة العليا للبلاد، وتبعه هذا التصريح الموضح الذي ينبغي أنْ يُبنى عليه، وتُسارع الجهات بتنفيذ التَّوجيهات السَّامية التي تسعى إلى إدخال أحْدَث التكنولوجيا وإيجاد أكبر عددٍ من فُرص العمل للمواطنين بما فيها التأهيل والتدريب والانخراط في سوق العمل في هذا المجال، لذا يجب أن تتضافر الجهود، والعمل على إعداد القوانين والتشريعات المُنظِّمة للاستثمار في إنتاج الهيدروجين بالتوازي ما بَيْنَ إيجاد مناطق الامتياز ووضع الآليَّة المناسبة للتسويق والعقود التي تحكم العلاقة بَيْنَ المستثمر والحكومة والأُسس والضوابط المُنظِّمة للمفاضلة ما بَيْنَ العروض، إضافة إلى وضع الأُسس والتشريعات والتنظيم المتعلِّقة بموضوع الطَّاقة المُتجدِّدة من حيث الكميَّة المُخصَّصة لاستهلاك السوق المحلِّي وما سيتمُّ توجيهه لإنتاج الهيدروجين.