مسقط -العمانية: ساهم الفن الإسلامي بشكل واضح في النتاج الفّني المعاصر لدى المتأثرين بجمالياته، ولا سيما الفن التشكيلي، وظهر ذلك جّليا في الفن المعاصر العربي الإسلامي، لارتباط الرموز الزخرفية وابتكاراتها بالفكر والعقيدة الإسلامية. وبرزت المنمنمات التي كانت تسمى قديماً بالتزاويق لتكون المدخل الأساس في الفن الزخرفي المولود من رحم تلك التزاويق، ليأخذ شكلا وأسلوبا متطوراً في سطوح ومجسمات العمل الفّني، فضلا عن الدور الذي قدمه الخّط العربي بمختلف أنواعه في تطّور المنمنمات لتتحد مع بعضها البعض مكونة إحدى أهّم الخصائص الفّنية والجمالية في فن التصوير الإسلامي. وقد سار الفنان العماني القديم يتحاور مع تلك المنمنمات والزخارف في الكثير من الأعمال التي أنتجها والتي عبرت بقوة عن النهضة الفنية العمانية الإسلامية آنذاك.
لقد شكلت تلك الابتكارات الفنية الزخرفية وجماليات الخط العربي اهتماماً واسعاً لدى الفنان المعاصر سواء كان المسلم أو غيره فأقدموا على طرحها في تشكيلات وتوزيعات فنية وجمالية بأساليب معاصرة حديثة البناء والتكوين، ومن ضمن هؤلاء الفنانين الفنان التشكيلي جمعة الحارثي الذي اعتمد على هذه المنمنمات الزخرفية في أسلوبه الفني واتخذ من الخط العربي داعماً مسانداً لإبداعاته الفنية وجذب أبصارنا بل ومشاعرنا لرحلته الجمالية بين الماضي والحاضر ومنح قطعه الفنية قدرات تعبيرية توازنت مع تيارات الحداثة والاتكاء على المتغيرات الجمالية التي أبدعها الفنان العربي المسلم منذ نشأة الفن الإسلامي.
وتأتي تجربة الفنان جمعة الحارثي لتسبر أغوار جماليات مغايرة مع الزخارف والرموز التي اعتمدها والخط العربي كمفردات فنية أساسية في أعماله وقدمها بأساليب بصرية متنوعة.
فيما يتعلق بالمحطات التجريبية والدوافع الفكرية التي قادت الفنان الحارثي إلى اعتماد اسلوب التزاويق الزخرفية والخط العربي في أعماله الفنية هنا يشير إلى أن التأثير الفني الشرقي الواضح في فن العمارة وفن الديكور والفنون التشكيلية الاخرى ويضيف قائلا: هذا ما نجده الآن في أرض الواقع في الغرب خصوصا الفنون المعمارية وتأثر الفنان الغربي بها ، لذلك نجد أن الفن الإسلامي لم يأتي من فراغ وكانه عابرا لا تأثير فيه بل جاء في أفكار الحضارات السابقة وهو جزء من الفكر الانساني والتصميم الحضاري والتقدم الاجتماعي، الحضارات القديمة هو مهد الإنسانية منبعه الوطن العربي والتي تشربت به هذه الحضارات من ينابيعه الفكرية، لا يمكن ان يصل العالم في يوم من الايام إلى هذا المستوى الحضاري لولا ظهور الإسلام ومنه الثقافة الحضارية، نعم لقد فقدنا الكثير من ثقافتنا المعروفة في بلادنا والدول الإسلامية الاخرى بسبب الاهمال من ناحية وضعف العلم بالشيء من جهة أخرى ونسينا الكثير من مطالب الحضارة الإسلامية، ولكن هذا لن يغير من مجرى التاريخ كما تغير في ظهور الفن الاسلامي وأن من يعرف الفن الاسلامي يعرف الإسلام كما يجب ويعرف ان الاسلام لم يتخلى عن اي تقدم حضاري واجتماعي وانساني ، لم يأتي الاسلام للتخلف كما يشاع عند البعض ولكنه جاء لنشر الدين مع الحضارة والثقافة والعلم والتقدم الاجتماعي في كل متطلبات الحياه جاء لكل زمان ومكان.
ويتطرق الحارثي إلى نطاق الطرز الإسلامية ومفاهيمها، وما يقوم به من استناد فيما يتعلق بالزخرفية، مرورا بالمشاهدات الحية للوحدات والعناصر الزخرفية التي اعتمد عليها الفنان العماني قديماً في تزيين الحصون والقلاع والسفن والبيوت والأدوات المعيشية وغيرها، وهنا يشير الحارثي: الاستناد دائما بالنسبة لي يعتمد على الإثنين، المشاهدات الحية للعناصر الزخرفية والتي تزين القلاع والحصون والبيوت والمساجد الأثرية، لأن سلطنة عُمان تمتلك إرث عظيم جدا اوجده لنا الاجداد في العمارة العمانية وهذا نابع من أساسه الفن الاسلامي والذي لازلنا في بدايات البحث والتقصي وكذلك الكتب الفنية الإسلامية التي نقلت لنا فن الزخرفة والخطوط والمعمار في الدول الإسلامية الاخرى كالثقافة الأندلسية والمصرية والفارسية والعثمانية.