نجوى عبداللطيف جناحي:
كثيرا ما يتصل بي البعض يشتكون من تصرفات ناظر وقف معيَّن، طالبين الاستشارة والرأي، والشاكُون قد يكونون من الموقوف عليهم أو من أبناء وأحفاد الواقفين، وناظر الوقف هو الشخص الذي يعيِّنه الواقف ليدير شؤون الوقف ويحافظ عليه ويرعاه ويتولى صيانته، ويتحقق من انتفاع الموقوف عليهم من الوقف، وعادة ما يعيِّن الواقف ناظر الوقف في نص وقفيته فيحدد اسمه، أو يحدد صفته كأن يقول أكبر أبنائي، أو أكبر الأحفاد أو من أهل قريتي. وإلا فإن القاضي هو الذي يعيِّن ناظر الوقف.
والواقع أن مسؤوليات ناظر الوقف متعددة أهمها: الحفاظ على العين الموقوفة كصيانتها وإعادة ترميمها، كما عليه أن يحسن التدبير لجعل جميع الموقوف عليهم يستفيدون بأفضل صورة ويحقق العدالة في توزيع ريع الوقف بينهم، فلا يجوز له أن يقصر الاستفادة من الوقف على شخص واحد ويترك الباقين، فإذا أوقف الواقف العقار لصالح الفقراء فلا يجوز له أن يحتكر الاستفادة من هذا الوقف على شخص واحد لسنوات طويلة، بل لا بُدَّ من العدالة في التوزيع، وعليه أن يحسن التدبير بمراعاة مصلحة الوقف. فمثلا إذا رأى أن موقع المسكن الموقوف بات غير ملائم للسكن، ويجب استبداله بموقع أفضل، فيجوز له بيعه وشراء بديل عنه لنفس الغرض في موقع آخر أفضل من الموقع السابق.
وتتركز الشكاوى على ناظر الوقف بأنه لا يراعي العدالة في توزيع ريع الوقف، أو عدم استثماره بالشكل الصحيح. فعلى سبيل المثال، أن يتهم ناظر الوقف بأنه لا يؤجر العقار الموقوف بأجر العقارات المماثلة له، سواء في الموقع أو مستوى بناء العقار، أو يبالغ في الصرف على صيانته، أو لا يختار المزارعين غير الأكفاء لاستزراع المزرعة الموقوفة، فيدب الشك والظن في نفوس الناس حول عدم أمانة ناظر الوقف، وتزداد الشكوك حول تقصيره في حفظ الأمانة التي أوكلت له، فيواجهه الناس بهذا التقصير، وبالطبع ينفي التهم عنه ويشعر بالظلم والحزن؛ لأنه يقوم برعاية هذا الوقف في أغلب الأحيان بدون مقابل أو بمقابل لا يوازي الجهد الذي يقوم به، وهنا يدب الشجار والنزاع بينهم، وتتسع الشقة حتى يصل الأمر إلى أن يكون الخلاف على هذا الوقف الخيري سببا في قطيعة الرحم، وما أدراك ما قطيعة الرحم، إنه سبب لغضب الرب، وبذلك يتحول هذا الوقف سببا للإثم بدل أن يكون سببا للأجر والثواب.
والواقع إن ناظر الوقف يتعرض لهذه التهم لأسباب عدة أهمها عدم وجود عقد يحدد مسؤولياته وواجباته بدقة، ويترك الأمر لخبرته وتقديره وإمكانياته، وحيث إن الأمر تقديري فتختلف تقديرات الناس في موضوع إدارة الوقف، ومن هنا يدب الخلاف، فعندما يحاسب لا يوجد معيار دقيق يحتكم له عند محاسبته، والحل الأمثل أن يبرم مع ناظر الوقف عقد نظارة، ويكون العقد بين ناظر الوقف والجهة التي تشرف على الأوقاف ويتضمن العقد عدة ضوابط نذكر منها:
أن يكون له مدة محددة قابلة للتجديد، فلا يجدد العقد إلا إذا أثبت الناظر كفاءته في إدارة الوقف، كما يتضمن العقد مهام ناظر بدقة خلال فترة العقد فيحدد المسؤوليات التي تقع عليه وواجباته، كما يتضمن العقد ميزانية تقديرية لإدارة الوقف مثل: كلفة الصيانة المتوقعة خلال فترة العقد، أو كلفة استزراع الأرض إذا كانت الأرض الموقوفة أرضا زراعية، كما يحدد في عقد النظارة النسبة المخصصة لناظر الوقف من ريع الوقف، وفي حالة الحاجة لاستثمار الوقف يجب أن يحدد في العقد طريقة الاستثمار وضوابطه. فعلى سبيل المثال، يوضع ضوابط تحمي الوقف من سوء استغلال ناظر الوقف مثل منع تأجير أو استزراع الوقف لأقارب ناظر الوقف من الدرجة الأولى، وجوب أن يقدم ناظر الوقف لا يقل عن ثلاثة عروض لمزايدات في حالة الاستثمار عن طريق التأجير، أو في حالة الاستثمار عن طريق المضاربة، وأن يوافي الإدارة المعنية بالأوقاف بتقارير مالية في نهاية عقد النظارة.
مثل هذه الضوابط التي ترد في العقد تحمي ناظر الوقف من توجيه الاتهامات من قبل أقاربه ومن قبل الموقوف عليهم ومن قبل الناس، إذ إن هناك جهة تراقب عمله وتتحقق من التزامه بنصوص العقد، وتبرأ ذمته. وفي الوقت نفسه فإن عقد النظارة يحمي الوقف الخيري والذري من الضياع... ودمتم أبناء قومي سالمين.