محمد عبدالصادق:
بمناسبة الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، بسبب رغبة الأخيرة الانضمام لحلف الناتو، بعدما كانت إحدى دول الاتحاد السوفيتي، قبل أن يتفكك على يد ميخائيل جورباتشوف وترثه روسيا في العام 1990م، وإعلان روسيا خشيتها من تواجد قواعد عسكرية للناتو ملاصقة لحدودها الغربية، ويضع العالم يده على قلبه مخافة أن تتطور الحرب الدائرة الآن إلى حرب كونية ثالثة، وهي أزمة مشابهة لما حدث في أكتوبر 1962م والتي اشتهرت بأزمة خليج الخنازير، ودارت أحداثها في جزيرة كوبا التي تبعد 145 كيلومترا عن ساحل ولاية فلوريدا الأميركية، والتي كانت حتى العام 1959م حليفا وثيقا للولايات المتحدة الأميركية، يحكمها الديكتاتور اليميني المتطرف الجنرال باتيستا، الذي فتح ذراعيه للاستثمارات الأميركية التي سيطرت على تجارة السكر والتبغ، في الجزيرة التي عانى معظم سكانها من الفقر والحرمان من الخدمات الأساسية.
توحد الكوبيون تحت قيادة الشاب الثائر فيدل كاسترو، وبمعاونة ميليشيات من أميركا اللاتينية بقيادة الأرجنتيني شي جيفارا، وأطاحوا بباتيستا، توجه كاسترو في البداية إلى أميركا لطلب الدعم، ولكن الرئيس الأميركي وقتها أيزنهاور رفض استقباله، فتوجه إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتحدث مع المندوب السوفيتي الذي عرض عليه مساعدة حكومته الوليدة، وحتى هذا الوقت لم يكن كاسترو شيوعيا، لكنه انجذب لها بعد الصداقة والدعم الذي تلقاه من الزعيم السوفيتي خروشوف، في مقابل سوء المعاملة والجفاء الذي وجده من الأميركان.
فرضت أميركا حصارا اقتصاديا وتجاريا خانقا على كوبا، ومنعت السكر والتبغ الكوبي من دخول الأراضي الأميركية، وحرمتها من النفط والقمح والسلع الأميركية، التي طالما اعتمدت عليها الدولة القريبة من الأراضي الأميركية.
بعد تنصيبه في العام 1961م، وافق الرئيس الأميركي جون كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بفيدل كاسترو، وأنزلت أميركا مجموعة من الكوبيين المنفيين بعد تدريبهم على حرب العصابات، في منطقة خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا، ولكن انكشف أمرهم ووجدوا في انتظارهم 20 ألف جندي كوبي مدججين بالسلاح، وتم اعتقال المهاجمين وقتل ما تبقى منهم.
رافق فشل العملية حملة دعائية ضخمة من الاتحاد السوفيتي ضد أميركا، واتهامها بمحاولة قلب نظام الحكم والتدخل في شؤون دولة ذات سيادة، واتفق كاسترو مع خروشوف على نشر صواريخ متوسطة المدى في كوبا لحمايتها من خطر الغزو الأميركي، وتحويل كوبا لقاعدة عسكرية متقدمة للاتحاد السوفيتي.
التقطت طائرة تجسس أميركية تحلق فوق كوبا صورا لمنصات صواريخ، وقدر الخبراء أنها ستكون جاهزة للعمل في غضون 7 أيام، واستنفرت أميركا بعدما اكتشفت 20 سفينة سوفيتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا، مما يعني وقوع المدن الأميركية في مرمى الصواريخ السوفيتية، في حالة وصولها إلى قواعدها في كوبا، وقرر كينيدي فرض حصار بحري على كوبا، لمنع السفن من الوصول، وأعطى أوامره للغواصات الأميركية النووية برفع حالة الاستعداد.
حبس العالم أنفاسه مخافة اندلاع حرب نووية بين القطبين، وجاء الفرج مع استجابة خروشوف لصوت العقل، وقبوله للحلول الدبلوماسية، ووافق على إزالة منصات الصواريخ، إذا وافقت أميركا على رفع الحصار وتعهدت بعدم غزو كوبا، وإزالة صواريخ جوبيتر التي تنصبها واشنطن في الأراضي التركية، ومن أجل ضمان عدم تكرار صراعات نووية في المستقبل، تم إنشاء خط ساخن يوفر اتصالا مباشرا بين الكرملين والبيت الأبيض.
هل يتدخل العقلاء حول العالم، لوقف الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا، ويستجيب الروس والأوكران لصوت العقل، ويجلسان إلى مائدة المفاوضات، ويحاولان التوصل لحلول وسط، تعطي الروس تطمينات أمنية، بعدم إقامة قواعد عسكرية غربية على حدودهم، ويتعهد الروس بعدم معاودة غزو أوكرانيا؟ فالحرب لم تعد وسيلة لحل الأزمات، والكل فيها خاسرون.