فارس كريم:
عن أبي ابن كعب قال: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل (عليه السلام) فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتى لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فإيما حرف قُرؤا عليه أصابوا..) (رواه مسلم).

* اختلاف العلماء في معنى الأحرف السبعة

فقال أبو الفضل الرازي والباقلاني وابن الجزري وابن قتيبة وهو رأي الجمهور: الكلام لا يخرج عن سبعة أحرف في الاختلاف، الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث، مثاله قوله تعالى:(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (المؤمنون ـ 23)، قرئ هكذا: لِأَماناتِهِمْ جمعا وقرئ لأمانتهم بالإفراد، والثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، مثاله: قوله تعالى:(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) (سبأ ـ 34)، قرئ هكذا بنصب لفظ (ربَّنا) على أنه منادى، وبلفظ (باعد) فعل أمر، وقرئ هكذا (ربُّنا بعّد) برفع (ربّ) على أنه مبتدأ، وبلفظ (بَعَّدَ) فعلًا ماضيًا مضعّف العين، جملته خبر، والثالث: اختلاف وجوه الإعراب، مثاله: قوله تعالى:(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة ـ 283)، قرئ بفتح الراء وضمّها، فالفتح على أن (لا) ناهية، فالفعل مجزوم بعدها، والفتحة الملحوظة في الراء هي فتحة إدغام متماثلين، أما الضّم فعلى أنّ (لا) نافية، فالفعل مرفوع بعدها، والرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة، مثال: قوله تعالى:(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (اللّيل ـ 3)، قرئ بهذا اللفظ وقرئ أيضا:(والذكر والأنثى) بنقص كلمة (ما خلق)، والخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثاله: قوله تعالى:(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) (ق ـ 50)، وقرئ:(وجاءت سكرة الحق بالموت)، والسادس: الاختلاف بالإبدال، ومثاله: قوله تعالى:(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) (البقرة ـ 259) بالزاي وقرئ (ننشرها) بالرّاء، والسابع: اختلاف اللغات (اللهجات) كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام ونحو ذلك، مثاله قوله تعالى:(بَلى قادِرِينَ) )القيامة ـ 4)، قرئ بالفتح والإمالة في لفظ (بلى)، ومنهم من قال: أنها سبعة أوجه من اللغات العربية، قال أبو عبيدة هي: قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن، ومنهم من قال: وقيل: الأحرف السبعة هي سبعة أوجه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال، أو هي: الأمر والنهي والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال.

* القراءات القرآنية

عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال:(سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكدت أساوره (أقاتله) في الصلاة فتربصت حتى سلّم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها؟. قال: أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: كذبت، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي كنت سمعتها يقرأ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): هكذا أنزلت، ثم قال النبي (صلى الله عليه وسلم): اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): هكذا أنزلت، إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) (البخاري في فضائل القرآن).

* استاذ في القراءات العشر