عادل سعد:
برغم أن توجُّه الدولة العمانية لتشييد القرى العصرية الريفية الزراعية سابق لإقامة المناطق الاقتصادية في الحواضر المدنية، يظل بناء المزيد من جسور العلاقة بينهما أحد الشروط الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة على امتداد السلطنة، وهو ما يمكن التعرف عليه ميدانيًّا من خلال مؤسسات مرتكزة على قواعد التكامل للاقتصاد الوطني العام القائم على مؤشرات يحكمها التنوع التنموي.
إن الانعكاسات الإيجابية التي تحققت زراعيًّا والسعي المتواصل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل هو قوة إسناد تنموي للمناطق الاقتصادية، وبالعكس أيضا مع ملاحظة معروفة أن الريف في سياقات تطوره يُمثِّل العمق الاقتصادي الطبيعي الضامن لأية تنميةٍ حقيقيةٍ؛ كونه الأصل التنموي أولًا، وثانيًا لأن العالم يشهد بين الحين والآخر عدم استقرار تجارة الغذاء حيث تخضع للضغوط السياسية ونزعات المغالبة والخصومات وما يترتب عليها من شروط وابتزازات.
لقد تأسست الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة في السلطنة خلال أغسطس (آب) 2020 بعد أن تطلبت الحاجة إلى إطارٍ مؤسسي ينظم التوجُّه الاستثماري على أساس توفير بيئة هيكلية له، بينما بدأت التوجُّهات نحو إقامة القرى الزراعية العصرية مع التباشير الميدانية التطبيقية لأول خطة تنموية بأصول تطبيقية عام 1970، وظل التدرج يحكم ذلك بالمزيد من الوعي الاقتصادي الملبي الميداني للمفهوم الإنمائي، وهكذا حين تجد النهضة الزراعية مرادفًا نهضويًّا صناعيًّا وخدميًّا متواصلًا، فالأمر يُمثِّل انعكاسًا إيجابيًّا لحالة الربط التنموي العام بين هذين الإنجازين، مع فحص دوري للإمكانات المتوافرة لمعالجة أية فجوة تنموية يمكن أن تحصل بينهما.
إن انتظام التنسيق بين مؤسسات النهضة الزراعية والاقتصادية بنسخها الصناعية والخدمية العامة كفيل بتحقيق الانسجام لعملية التنمية المستدامة، وهذا واضح تمامًا في التنمية، بل وله الفضل في احتواء الأزمات والمتغيرات التي يمكن أن تحصل لأسباب طارئة تتعلق بظروف معيَّنة، من ذلك ما يحصل تحت ضغط انخفاض أسعار النفط، أو كما حصل تحت ضغط التأثيرات الاقتصادية لوباء كورونا الذي فرض متغيرات في توقيتات إدارة العمل، أو الأعاصير المدارية التي تضرب البلاد بين موسم مناخي وآخر، وينبغي أن لا نستبعد التأثيرات التي تطرأ إقليميًّا ودوليًّا إذا أخذنا بطبيعة العلاقات الاقتصادية العامة وكيف أنها تتسبب بآثار سلبية مع أية أزمة تتسلل أضرارها إلى الاقتصاد العماني. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن شحنة من البضائع العمانية كانت برسم تسويقها إلى هذا البلد أو ذاك، في حين أنه تعرض إلى أزمة اقتصادية لا تجعله قادرًا على تلبية استحقاقات تلك البضائع بإدخالها أو بتسديد أثمانها والأمر أيضا يتعلق بالظروف الذاتية للمستثمرين، أشخاصًا وشركات.
بخلاصة تحليلية، إن التكامل الذي تحرص عليه الإدارة الاقتصادية العمانية بين المكوِّنات التنموية هو الاحتياطي الجاهز لتلبية أية استحقاقات توظيفية لسوق العمل، وكذلك لاحتواء الأزمات الطارئة على قياس ما أشرنا إليه من أمثلة أو تلبية استحقاقات إيفاء القروض العامة، أو معالجة العجز الذي يمكن أن يحصل في موازين المدفوعات، إضافة إلى طبيعته الإنمائية، وهذا جوهر ائتمان عام آخر يرافق التنمية في السلطنة.