جودة مرسي:
أعاد الصراع الدائر بين الشرق والغرب الآن ممثلا في دخول روسيا حربا مصيرية مع أوكرانيا إلى التركيز مرة أخرى في الحديث عن إيجاد عملة عالمية جديدة بديلا للدولار الأميركي، ولا تمل بعض الاقتصادات، وخصوصا الآسيوية، من إبداء عدم الرضا من سيطرة العملة الأميركية (الدولار) وهيمنتها على الاقتصاد والاحتياطي النقدي العالمي، خصوصا مع تراجع النسبة المئوية العالمية للاقتصاد الأميركي ومزاحمة الصين كقوة اقتصادية ثانية عالميا، وتراجع العملة الأميركية أمام بعض العملات "اليورو والين الياباني" خلال السنوات القليلة الماضية، ما جعل البعض يلجأ إلى الذهب كملاذ آمن للمستثمرين خوفا من تقلبات الدولار الذي يواجه حاليا اختبارا جديدا قاسيا جرَّاء الأحداث الناتجة عن الحرب الروسية على أوكرانيا، واتخاذ الغرب وأميركا حزمة كبيرة من العقوبات على روسيا ومنها نظام "سويفت" swft المالي والذي قد يدفع متخذي القرار الروسي ومعهم الصين الساعية منذ فترة لإيجاد موضع كقوة إقليمية لعملتها اليوان على قائمة الاحتياطي النقدي العالمي تكون موازية أو بديلة للدولار الأميركي، سيستفيد منها الروس أولا في تجنب العقوبات، والتي كانوا استعدوا لها سابقا بخفض استثمارات صندوق الثروة السيادية في الأصول الدولارية التي كانت نحو 35 في المئة بالدولار و35 في المئة باليورو من حيث الهيكل، وتم استبدال الاستثمارات بالدولار بزيادة اليورو، وزيادة الذهب. وبالهيكلة الجديدة سيصبح الدولار صفرا، اليورو 40 في المئة، واليوان 30 في المئة، والذهب 20 في المئة، والجنيه الإسترليني، والين خمسة في المئة لكل منهما..
ثانيا: تحقق الصين حلمها القديم الجديد بجعل عملتها عملة رئيسية للاحتياطي النقدي العالمي، وتتبعها في ذلك العديد من الدول التي لا تتوافق مع السياسة النقدية للعملة الأميركية، ويشجع ذلك العديد من المؤسسات الآسيوية المدرجة على قائمة أكبر وأقوى 500 مؤسسة في العالم الذي وصل في آخر إحصاء إلى 133 مؤسسة، وأصبحت الصين واليابان وكوريا الجنوبية من أكبر خمس دول لبراءات الاختراع في العالم، ناهيك عن الأموال التي ضختها الصين في اقتصادات بعض الدول الآسيوية واعتمادها صفقات تجارية تدفع قيمتها بالعملات المحلية لأعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه قبل التوقعات الشائعة للأحداث الجارية بمستقبل اليوان كعملة للتعاملات الدولية: هل اليوان الصين مؤهل لأخذ مكانة الدولار الأميركي أو مزاحمته عالميا؟
الإجابة متوازية مع الأحداث العالمية الجارية في أنه يجب تدويل اليوان وإمكانية انضمامه إلى عملات دولية أخرى، ليصبح عملة دوليه تستخدم في تسعير البضائع التجارية والقروض الدولية مع وضع شنجهاي كمركز تجاري مالي دولي، ويتطلب ذلك من الصين أن تجعل القطاع المالي مفتوحا مع عدم وجود قيود على تدفقات رؤوس الأموال مع مركز متطور مع مجموعة واسعة من الأدوات المالية والمؤسسات، بوجود بنك مركزي يحافظ على الاستقرار الاقتصادي مع جهات تنظيمية تراقب الاحتيال والمضاربات ومعالجة المشكلات المالية، مع وجود اقتصاد وطني قوي مقارنة بالاقتصادات الأخرى لفترة طويلة من الزمن. وعلى ما يبدو أن الصين عملت على هذا خلال السنوات العشر الأخيرة وأصبحت مهيأة لوضع عملتها في المقام الذي يوازي نجاحاتها وتوغلها الاقتصادي، وذلك لم يأتِ مصادفة، بل بحساب القوة الاقتصادية النسبية للصين مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية.
إن الأحداث المتسارعة الحالية من فرض عقوبات ونتائج صراع اقتصادي بزي عسكري مع طموحات جيوسياسية، ستجعل الصين تسرع في اتخاذ قرارات حاسمة من أجل تشجيع التجار الدوليين والدائنين من أجل تسعير معاملاتهم المالية بالعملة الصينية. إن سعي الصين لأن تجعل عملتها عملة دولية وأن تصبح إحدى مدنها مركزا ماليا عالميا من الطراز الأول لن يخدم مصالحها فقط فالسماح للعملة الصينية بالمساعدة في تلبية الطلب العالمي على الاحتياطات العالمية وتنويع المخاطر سوف يقوي كذلك الاستقرار المالي العالمي. الأيام القادمة حبلى بالنتائج العسكرية والاقتصادية وسيربح من بدأ واستعد ونفذ ليقود التغيير الاقتصادي العالمي، فهل ينجح في ذلك التحالف الغربي الأميركي أم التحالف الروسي الصيني؟ الإجابة حين تختفي من الأخبار عبارة "عاجل جدا".