[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]

” يجب الاعتراف بأن العالم العربي يمر بمحنة تاريخية لعلها أصعب إمتحان في مطلع القرن الحادي والعشرين ومن أيسر التفاسير وأكثرها سذاجة أن نرمي الأمم الأخرى بإرادة تخريب البيت العربي وتقويض الإسلام لكن الأسباب أعمق وهي تديننا نحن قبل أن تقنعنا بنظرية المؤامرات ضدنا فنحن أخطأنا اختيار طريق الاستقلال...”
ـــــــــــــــــــــــــــــ

أخط لكم مقالي هذا يوم السبت 25 يناير وأفتح جهاز التلفزيون على أخبار أوطان العرب فأسمع بأن ذكرى الثورة المصرية هناك في القاهرة تزامنت مع تفجير جديد هز أحد مراكز الأمن وخلف ضحايا كما بالأمس في أبو سويف وفي العراق تفجير في بعقوبة بمحافظة ديالي يخلف من بين الضحايا خمسة أفراد من عائلة واحدة وهجومات مسلحة على مواقع حكومية ومصرع من تسميهم حكومة المالكي بالإرهابيين وفي سوريا سقط قتلى وجرحى، يوم السبت، جراء قصف بـ "براميل متفجرة" على أحياء الصالحين ومساكن هنانو والميسر والشيخ نجار بحلب، في وقت دارت اشتباكات في حي القدم والعسالي بدمشق، كما طال قصف مدينة داريا بريفها. وقالت مصادر معارضة، وفق صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "عددا من القتلى وعشرات الجرحى سقطوا نتيجة إلقاء الطيران الحربي براميل متفجرة على حي الصالحين بحلب".
وفي جنوب السودان تسقط معاقل جديدة في أيدي ميليشيات غير حكومية ويتواصل القتال غير معترف بقرار وقف إطلاق النار رغم أن مفاوضات أديس أبابا متواصلة بمباركة أممية و جهد أميركي وفي ليبيا نسمع على حدود تونس أنباء غير مطمئنة تقول بأن ثلاثة أرباع الأرض الليبية تخضع لجيوش قبلية غير منضبطة و بأن ربعها تحت سيطرة ميليشيات قذافية وأن الدولة لم تلم شتاتها لتفرض القانون وتجبر المسلحين على تسليم السلاح وفي تونس منطلق شرارة الربيع يسود هدوء مدني وتعلو أصوات النخب السياسية على أصوات الرصاص فنشعر ببعض صلاح البال وسكينة الروح و نتلو الفاتحة كدعاء منبثق من القلوب قبل الحناجر بأن يحمي الله سبحانه هذا البلد الأمين من هزات الجيران والأشقاء كما تم في تونس تحرير نص الدستور التونسي للجمهورية الثانية ليتضمن المبادئ والقيم التي فقدناها على مدى خمسين عاما من شخصنة النظام وإذلال الشعب. ورغم ما جاء في بنود الدستور من تضاربات ونتائج تنازلات وصفقات حزبية فالأهم هو أن يصدر وعلى الأجيال التونسية القادمة أن تعدل أو تحور حسب تغير أوضاع البلاد. ونحن نتوسل إليه تعالى بأن يهدي المتقاتلين العرب خارج حدود تونس سواء السبيل حقنا للدماء وبحثا عن أقوم المسالك.
استعرضت في هذه المقدمة بعض أحداث وأحوال العرب في أسبوع والباب مشرع على مصراعيه هنا وهناك لتفاقم العنف في حروب أهلية محدودة لكنها قاتلة وفي صراعات مسلحة تبدأ من السلاح الشخصي الخفيف إلى السلاح الميداني الثقيل وتتسع رقعتها الجغرافية رويدا رويدا لتبلغ الأبرياء والعزل الأطفال والنساء والشيوخ وحتى المرضى في المشافي كما وقع في العراق وسوريا. إننا بإزاء منعرج خطير بسبب إلغاء الحوار السلمي بين أصحاب قضية ليتحول إلى حرب مفتوحة بين القبائل والطوائف والأحزاب في غفلة من رشاد المفكرين ووساطة العقلاء وبعيدا عن طاولات المفاوضات ففي الحالة السورية مثلا يجتمع وزير الخارجية وليد المعلم بما يسمى الإئتلاف المعارض في جنيف 2 واشترط هذا الإئتلاف ألا يقبل الحوار إلا بعد إعتراف الحكومة السورية بميثاق جنيف ـ1 أي تشكيل حكومة إنتقالية وهكذا أصبحت هذه المفاوضات مسرحية عبثية سكت فيها المفترض فيهم أن يتحاوروا و قام محمد الأخضر الإبراهيمي بدور الترجمان والناقل لما يسمعه من هؤلاء لأولئك في مشاهد تم تأثيثها بديكور حوار لكن بدون كلام مثلهم كمثل أفلام شارلي شابلن الصامتة في العشرينيات قبل اكتشاف الصوت. ونحن إذ نعرض لأشد المواقع العربية حرارة وتهديدا للأمن القومي وللسلام العالمي يجب ألا ننسى مواقع خطيرة تشكل بؤرا مستقبلية للعنف كأنها قنابل مولوتوف مبرمجة الانفجار بعد حين أو أحيان من ذلك وضع اليمن بين داعين للانقسام ومنادين بالوحدة ومن ذلك الخلاف القائم بين الشقيقتين المغاربيتين: الجزائر والمملكة المغربية حول مصير ومفهوم الصحراء ومنظمة البوليزاريو وكذلك طموح الأكراد لإعادة تأسيس دولة كردستان ولانزال نحن في بلدان المغرب الإسلامي نعاني من مصائب جنوب الصحراء في مالي وإفريقيا الوسطى وفي هاتين الدولتين تحارب قوات فرنسية بترخيص أممي لترجح كفة الطوائف المسيحية ضد الطوائف المسلمة تحت غطاء "مقاومة الإرهاب" وإنقاذ المدنيين.
يجب الإعتراف بأن العالم العربي يمر بمحنة تاريخية لعلها أصعب إمتحان في مطلع القرن الحادي والعشرين ومن أيسر التفاسير وأكثرها سذاجة أن نرمي الأمم الأخرى بإرادة تخريب البيت العربي وتقويض الإسلام لكن الأسباب أعمق وهي تديننا نحن قبل أن تقنعنا بنظرية المؤامرات ضدنا فنحن أخطأنا اختيار طريق الاستقلال واستبد بنا من صلبنا طغاة غيبوا الدولة القوية العادلة وحكمونا كرعايا لا كمواطنين وأشاعوا بيننا منطق فرعون (لا أريكم إلا ما أرى) ثم إننا اعتبرنا أن منظومة الفيدرالية منظومة تقسم الشعب بينما هي منظومة حق وتعايش فانظر إلى سويسرا وإلى بلجيكا تجد أنهما نظامان كونفيدراليان تضم مقاطعات مستقلة أمنة تتكلم لغات مختلفة وتنتمي لأصول ثقافية متباينة لكن تجمع بينهم جميعا راية سويسرية أو بلجيكية واحدة فهل تعلم أيها القارئ الكريم أن برلمانات هذين الشعبين تحتاج إلى طواقم من المترجمين لنقل أفكار النواب من اللغة الفرنسية الى الالمانية إلى الفالونية إلى الهولندية أو الإيطالية لكن الجامع بين الناس هناك هو مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون. هل اخترنا نحن العرب لأنفسنا الأوهام والشعارات والظاهرة الصوتية لنحقق عقيدة المحافظين الجدد في عهد بوش الإبن القائلة بضرورة إنتشار الفوضى الخلاقة؟ الأكيد أننا دخلنا منطقة الزوابع والمخاطر أي انخرطنا في الفوضى ولكننا أردناها لا خلاقة ولا واعدة بل مدمرة وأخر دعوانا ربنا أتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. ولا ننسى أن هذه الأية الكريمة من قول الله تعالى على لسان أهل الكهف إذ أوى الفتية إلى الكهف. ونحن أشبه بأهل الكهف في سباتهم العميق والطويل لكن دون تقواهم.