وليد الزبيدي:
ليس ثمة إحصائيات دقيقة لأكبر عملية هدر وضياع لثروة الغاز في العراق، ويلف الغموض هذا الملف الخطير، وفي كل مرة يخرج فيها مسؤول نفطي أو خبير اقتصادي، يقولون إن العراق يخسر ثمانية عشر مليار متر مكعب سنويا، وهناك من يقول إن العراق خسر 700 مليار متر مكعب من احتياطاته من الغاز، لكن لم نقف على دراسات توثق جميع الخسائر في ميدان الغاز منذ اكتشاف النفط في العراق أواخر عشرينيات القرن الماضي. وقبل ذلك التاريخ ولسنوات طويلة لم يتم التعرف على حقيقة النار المشتعلة طوال الأعوام في حقول بابا كركر في مدينة كركوك العراقية، ولأنهم يجهلون سرّ هذه النار المشتعلة بلهبها المتموج والمتصاعد، فقد أطلقوا عليها اسم "النار الأزلية". ونظرا لقدم الثروات النفطية والغاز في العالم، فإن الخبراء يرجعون بدايات ظهور النار الأزلية إلى حوالي 550 قبل الميلاد، وأنها ظهرت في مدينة كركوك بسبب قرب مخزون الغاز من سطح الأرض ووجود تشققات أرضية، ما سهَّل تدفق الغاز واشتعاله، لكن تم التعرف على حقيقة هذه الشعلة عندما بدأت شركات النفط البريطانية تنقب عن الثروات النفطية في عشرينيات القرن الماضي.
وبدون شك، لا يمكن الحديث عن خسائر كبيرة وثروات مهدورة من الغاز في العراق طيلة السنوات منذ حقبة ما قبل الميلاد حتى اكتشاف النفط، لكن الحديث يزداد كلما أصبحت أدوات ووسائل استخراج النفط والغاز أسهل باستخدام الآليات والمكائن الضخمة المخصصة لهذه الأغراض، كما أن ثمة الكثير من الشركات التي تسعى للاستثمار في حقول الغاز في العام، ويوجد حقل عكاز في مناطق غرب العراق وتحديدا في محافظة الأنبار وصولا إلى الحدود الأردنية والسورية، كما أن هناك مناطق كثيرة مرشحة لاكتشاف الغاز في باطنها، ويزداد اليأس من إمكانية إنقاذ ثروة قومية تهدر كلّ يوم عندما يشاهد المرء ملايين الدولارات تحترق في الأجواء وتتسبب بتلوث بيئي خطير عدا الخسائر المالية وامكانية إنتاج الطاقة الكهربائية التي يفتقر إليها العراق منذ سنوات.
طالما أسعد ضياء الشعلة قلوب الناس إلا في حال العراق؛ فكل من يشاهد شعلة النار الأزلية يشعر بالخسائر الكبيرة والثروات المهدورة الطائلة، ويستحضرون ذلك الكم الكبير من الغاز المهدور ليس في النار الأزلية ومحيطها فقط، بل في جميع آبار النفط في العراق، والتي تنتشر على مساحات واسعة ابتداء من البصرة في أقصى جنوب البلاد مرورا بالوسط وصولا إلى مناطق شمال البلاد، وبذلك يتحول منظر الشعلة الأزلية من صورة للشاعرية والتأمل إلى تذكير دائم بثروات مهدورة في البلد، ورغم ثروات النفط الهائلة، فإن غالبية شعبه يعيشون فقر مدقع ولا يحصلون على الخدمات الصحيّة ولا التعليم ومحرومون من غالية مقومات الحياة الهانئة.