هيثم العايدي:
كأي سلعة يعود ارتفاع سعرها بفائدة على المنتج، يبدو للوهلة الأولى أن أي ارتفاع لسعر النفط يمثل فائدة للدول المنتجة، غير أن الكثير من العوامل تجعل من هذه الفائدة مرهونة بالوصول إلى سعر متوازن يحقق العوائد الداعمة لميزانيات الدول المنتجة وتجنيبها مخاطر الارتفاعات الكبيرة.
وبعدما حققت أسعار النفط زيادات مطمئنة للدول المنتجة نتيجة بدء التعافي العالمي من آثار جائحة كورونا، جاءت حرب أوكرانيا وما تبعها من عقوبات غربية على روسيا لتعمل على قفزات قياسية في سعر النفط ليبلغ مستويات لم يصل إليها منذ أعوام متخطيا حاجز الـ100 دولار للبرميل، ومع توقعات بارتفاعات أخرى حال استمرار الحرب وصل بعضها إلى 300 دولار.
ولا شك أن هذه الارتفاعات ستؤدي إلى زيادة كبيرة في عائدات تصدير النفط لدى المنتجة، وبالتالي تحسن أوضاع ماليتها العامة وتخطيها للعجز وتسجيل فائض، خصوصا وأن هذه الأسعار أكبر بكثير من السعر المقدر لبرميل النفط في ميزانيات الدول المنتجة، وبالتالي ضخ المزيد من الأموال في الصناديق الاحتياطية والصناديق السياسية.
غير أن هناك العديد من الآثار السلبية حال وصول أسعار النفط إلى معدلات ارتفاع كبيرة، منها ما يهدد صناعة النفط في الدول المنتجة، ومنها ما يتعلق بآثار اقتصادية أخرى.
فالأسعار المرتفعة ستعمل على تسريع عملية التحول "الخضراء" في الطاقة، والاتجاه نحو الطاقة البديلة كطاقة الشمس والرياح.
وإضافة إلى ذلك فإن الارتفاع الكبير في سعر برميل النفط المستخرج بالطرق التقليدية سيشجع شركات النفط على معاودة الاتجاه إلى النفط الصخري، حيث إن ارتفاع سعر البرميل سيغطي التكلفة في هذا الوقت، الأمر الذي سيزيد من المعروض بشكل لا يستطيع من خلاله المنتجون التقليديون المنضوون في تحالف (أوبك بلاس) التحكم في الأسعار عبر الإمدادات وسيواجهون معركة الحفاظ على حصصهم بالسوق.
كذلك فإن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتجات الأخرى، وأولها أسعار المواد الأساسية وهي مواد تستوردها أغلب الدول المنتجة للنفط، بالإضافة إلى أسعار الخدمات مع الدخول في موجات تضخمية قد تدفع بهذه الدول إلى زيادة بنود الدعم ـ وخصوصا دعم أسعار الوقود ـ أو الرواتب في ميزانيتها.
كذلك فإن هذا الأمر قد يقود إلى التباطؤ في وتيرة خطط تنويع الاقتصاد والارتكان إلى العوائد العالية لبيع النفط أو بصورة أخرى ارتفاع تكلفة مشاريع التنويع الاقتصادي.
ومع استحالة التنبؤ الدقيق بمستوى أسعار النفط ومساراتها أيضا، ومع عدم قدرة المنتجين على تغيير الأوضاع السياسية التي تتحكم في الأسعار، فإن مسألة ضبط الإمدادات في الأسواق لا بد أن يخضع لتوازنات تضمن تفادي سلبيات السعر المرتفع، وعدم الاضطرار إلى التسابق على غمر السوق بفائض، والذي أوصل الأسعار إلى سالب 40 دولارًا في ذروة جائحة كورونا.