حمود الصوافي:
كرّمَ اللهُ الإنسانَ وميّزَه على كثيرٍ من مخلوقاتِه، أنْ جعلَ اللقاءَ بين الذكرِ والأنثى في إطارِ نظامٍ ربانيٍّ، يستمدُّ قدسيّتَه من شرعِه سبحانه وتعالى

ـ حضَّ الإسلامُ على الزواجِ، ورغّبَ فيه بصوَرٍ متعددةٍ، ووجّه النداءَ للشبابِ خاصّةً

ـ ورد الحض على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة والترغيبُ في ذلك

ـ على الولي أن يتقي الله تعالى بأن ييسر أمر الزواج، وألا يتعلق بعادات الجاهلية من التغالي في المهور

اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي ألقاها فضيلة الشيخ الجليل حمود بن حميد بن حمد الصوافي .. اخترنا لك عزيزي القارئ إحدى هذه الخطب والتي هي بعنوان: "الحضّ على الزواج .. والترغيب فيه" .. حيث إن الخطبة تعتبر من أهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..
يستهل فضيلة الشيخ حمود الصوافي هذه الخطبة قائلا: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ، وبالعملِ بطاعتِه تطيبُ الحياةُ وتنزِلُ البركاتُ، نحمَدُهُ ونسْتعِينُهُ ونستَهْدِيهِ، ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ عليهِ، ونسْتَغفِرُهُ ونتُوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، يُحيِى ويُمِيتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ، بِيدِهِ الخيرُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأشْهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً مُنيراً، أرسلَهُ رحمةً للعالَمينَ، وسراجاً للمُهتدِينَ، وإماماً للمُتقينَ، فبلّغَ الرِّسالةَ، وأدّى الأمانةَ ، ونصَحَ الأُمَّةَ ، وكشَفَ الغُمَّةَ، وجاهدَ في سَبيلِ ربِّهِ حتى أتاهُ اليقينُ، (صلى الله عليه وسلم) وعلى آلِهِ وصحْبِهِ، وعلى كُلِّ مَنِ اهْتدى بهدْيهِ ، وسارَ على نهجِهِ ، واستنَّ بسُنَّتِهِ ، ودعا بدعْوتِهِ إلى يومِ الدِّينِ، أمّا بعدُ :فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكم ونفْسِي بتقوى اللهِ، والعملِ بما فيهِ رِضاهُ ، فاتقوا اللهَ وراقبوهُ، وامتثِلُوا أوامِرَهُ ولا تعصُوهُ، واذكُرُوهُ ولا تنسَوهُ، واشكُرُوهُ ولا تكفُرُوهُ.
وقال مخاطباً الحضور: واعلموا أنَّ نِعَمَ اللهِ سبحانه وتعالى كثيرةٌ ، لا تُعدُّ ولا تُحصى، ولا تُحدُّ ولا تُستقصى،) وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) ( النحل ـ 53) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل ـ 18) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ( (إبراهيم ـ 34( ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ) لقمان ـ 20(، وقد كرّمَ اللهُ سبحانه وتعالى الإنسانَ ، وفضّلَه على كثيرٍ من مخلوقاتِه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ((الإسراء ـ7 (،) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ( (الانفطار 6 ـ 8( ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( (التين ـ 4) ، وممّا كرمَ اللهُ سبحانه وتعالى به الإنسانَ، وفضّلَه به، وميّزَه على كثيرٍ من مخلوقاتِه، أنْ جعلَ اللقاءَ بين جنسيه: الذكرِ والأنثى في إطارِ نظامٍ ربانيٍّ ، يستمدُّ قدسيّتَه من شرعِ اللهِ سبحانه وتعالى، في إطارِ نظامٍ يحفظُ الكرامةَ والعفّةَ والشرفَ، هذا النظامُ هو الزواجُ الشرعيُّ، الذي امتنَّ اللهُ سبحانه وتعالى به على الإنسانِ، وأمرَه بالمحافظةِ عليه، لما فيه من تكريمِه، وإعلاءِ قدْرِه، ورفعِ شأنِه حتى لا يكونَ شأنُه شأنَ البهيمةِ العجماءِ، التي ينزو ذكرُها على أنثاها من غيرِ محافظةٍ على أيِّ نظامٍ.
وقال فضيلته : وقد حضَّ الإسلامُ على الزواجِ، ورغّبَ فيه بصوَرٍ متعددةٍ، فتارةً يأمرُ به كما في قولِه تعالى:(فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) ( النساء ـ 3) ، وتارةً يذكرُه على أنّه من سُننِ المرسلين، كما في قولِه سبحانه:) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة) (الرعد ـ 38) ، وتارةً يذكرُه في مقامِ الامتنانِ كما في قولِه تعالى ):وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ((النحل ـ 72(، وتارةً يتحدّثُ عن كونِه آيةً من آياتِ اللهِ كما في قولِه عزَّ وجلَّ ):وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم ـ 21)، وقد جاءَ الحضُّ على الزواجِ والترغيبُ فيه عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) في أحاديثَ كثيرةٍ ، فعن أبي أمامةَ عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قالَ : (ما استفاد العبدُ المؤمنُ بعد تقوى اللهِ عزَّ وجلَّ خيراً له من زوجةٍ صالحةٍ، إن نظرَ إليها سرّته، وإن أمرَها أطاعته، وإن أقسمَ عليها أبرَّته، وإن غابَ عنها نصحته في نفسِها ومالِه)، وعن أنسِ بنِ مالكٍ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) انه قال: (مَن رزقَه اللهُ امرأةً صالحةً فقد أعانَه على شطرِ دينِه ، فليتقِ اللهَ في الشطرِ الباقي(، وقدْ وردَ عنه (صلى الله عليه وسلم):(مَن أرادَ أن يلقى اللهَ طاهراً مُطهَّراً فليتزوّجْ الحرائرَ(، وقد أنكرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) على الذين جاءوا يسألون عن عبادتِه ، وعندما أُخبِروا بها كأنّهم تقالُّوها فقالوا: أين نحنُ من رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)؟ وقد غُفِرَ له ما تقدّمَ مِن ذنبِه وما تأخّرَ، ثمَّ قالَ أحدُهم: أمّا أنا فأصومُ ولا أفطرُ، وقال َالثاني: وأمّا أنا فأصلّي ولا أرقدُ، وقالَ الثالثُ : وأمّا أنا فأعتزلُ النساءَ ولا أتزوّجُ أبداً، فقالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ):أنتم الذين قلتُم كذا وكذا (، قالوا : نعمْ ، قالَ :(أمَا واللهِ إنّي لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكني أصومُ وأفطرُ، وأصلي وأرقدُ، وأتزوّجُ النساءَ ، فمن رغَبَ عن سنتي فليس مني(.
مؤكدا في خطبته بأن رسولُ اللهِ )صلى الله عليه وسلم) قد وجّه النداءَ للشبابِ خاصّةً حيثُ قالَ: (يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوّجْ ؛ فإنّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرْجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ، فإنّه له وِجاءٌ( ، فبدأَ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أوّلاً بالأمرِ بالزواجِ، لما فيه من حفظِ العفّةِ والشرفِ والكرامةِ ، ولما فيه من فوائدَ ومزايا كثيرةٍ .
وقال فضيلته: أيها المسلمون :إن هنالك فريقاً من الشباب يعرض عليه الزواج، فيتردد في قبوله، ويحجم عنه خوفا من الاضطلاع بتكاليفه، وهروبا من تحمل أعبائه، والإسلام يلفت نظر هؤلاء إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل الزواج سببا للغنى، وأنه سبحانه سيمده بالقوة التي يتغلب بها على أسباب الفقر، يقول عز من قائل:(وانكحوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( (النور ـ 32)، وقد ورد :(ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف(، وقد روي: (أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابرا ، وزوجة لا تبغيه حُوبا في نفسها وماله).
مشيرا إلى انه قد ورد الحض على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة، والترغيبُ في ذلك لأن المرأة بمنزلة التربة التي تلقى فيها البذور، وإذا كانت المرأة صالحة كانت عونا للرجل على تربية الأولاد واستصلاحهم، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك(، وقد جاء عنه ـ عليه الصلاة والسلام:(تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأقنع باليسير)، وورد :(تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، وورد: (تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن) وروي:(تزوجوا في الحجر الصالح ، فإن العرق دساس).
وقال فضيلته: أيها المسلمون: إن للزواج شروطا لا يتم إلا بها، فمن شروط الزواج: الولي والرضا من الزوجين والمهر والبينة، يقول رسول الله)صلى الله عليه وسلم): (لا نكاح إلا بولي وصداق وبينة)، وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم):(أيما امرأة نكحت نفسها بدون إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم):(الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صُماتها) ، فعلى الولي أن يتقي الله سبحانه وتعالى فيمن يلي أمر زواجه من النساء بألا يؤخر الزواج إذا خطب إليهم من يرضى دينه وخلقه، فإن في تأخير الزواج نتائج مؤلمة، وعواقب وخيمة ، ويقع بسبب ذلك ما لا تحمد عقباه ، يقول عز من قائل:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة ـ 232)، وجاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إذا خطب إليكم كفء فلا تردوه، فنعوذ بالله من بوار البنات)، وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم):(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وقد ورد:(من بلغت ابنته اثنتي عشرة سنة، فلم يزوجها، فأصابت إثما، فإثم ذلك عليه) .
ونبّه فضيلته الحضور بقوله: فعلى الولي أن يتقي الله سبحانه وتعالى بأن ييسر أمر الزواج، وألا يتعلق بعادات الجاهلية من التغالي في المهور، فإن التغالي في المهور يكون عرقلة عن الزواج الذي ورد الأمر به ، والحضّ عليه ، والترغيب فيه ، وليس التغالي في المهور دليلا على قيمة المرأة ، فالصداق شرع ليكون تمييزا بين النكاح والسفاح ، ولو كان التغالي في المهور دليلا على قيمة المرأة لكان الأولى بذلك بنات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأزواجه ، وقد كانت صدقاتهن أيسر الصدُقات .
وقد ورد:(أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)، وروي: (يمن المرأة: يسر نكاحها، وقلة مهرها، وحسن خلقها، وشؤمها: عسر نكاحها، وغلاء مهرها، وسوء خلقها)، ومن المؤسف والمحزن أن كثيرا من الناس قد جهِل هذه التعاليم الإسلامية، وحاد عنها، وتعلق بعادات الجاهلية من التغالي في المهور ورفض الزواج إلا إذا دفع الزوج قدرا كبيرا من المال، وبسبب ذلك كثرت الشكوى، وعانى الناس رجالا ونساء ما عانوه من الضرر، ونتج بسبب ذلك كثير من الشرور والمفاسد، فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا كل الحرص على تيسير ما أمركم الله بتيسيره من أمر الزواج، فإن في ذلك عفة لأنفسكم، وعفة لأولادكم، وعفة لمجتمعكم، وفي ذلك الوقاية من عار الدنيا وعذاب الآخرة) وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ( الطلاق 2 ـ 3 )، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق ـ 4)،(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) (النساء ـ 115)، نفعني اللهُ وإياكمْ بِهدْي كتابِهِ .
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وليُّ الصَّالحينَ ، وأشْهدُ أنَّ سيَّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، خاتَمُ النبيّينَ والمُرسلينَ ، وسيّدُ الأوّلينَ والآخِرينَ ، وقائدُ الغُرِّ المُحجّلِينَ، وأفضلُ خلْقِ اللهِ أجْمعينَ (صلى الله عليه وسلم) ، وعلى آلِهِ وصحْبِهِ أجْمعِينَ ، أمَّا بعْدُ:
فيَا عِبادَ اللهِ إنَّ أصْدقَ الحدِيثِ كِتابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، وخيْرَ الهدْي هَدْيُ مُحمّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وشَرَّ الأمُورِ مُحدَثاتُها، وكُلُّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكُلُّ بِدعةٍ ضَلالةٌ.
أيُّها المسلِمُونَ :اتقوا اللهَ تعالى، واعلموا أنَّ رِضا المرأة شرطٌ من شروطِ الزواجِ التي لا يتمُّ إلا بها، فلا يجوزُ للوليِّ أن يزوِّجَ من يلي أمرَ زواجِه من النساءِ إلا بإذنِها ورضاها، لا يجوزُ له أن يزوِّجَها رجلاً لم ترضَ به زوجاً، يقولُ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (استأمِروا النساءَ في أبضاعِهنَّ ، وألحِقوهنَّ بأهوائِهنَّ)، ويقولُ: (الأيّمُ أحقُّ بنفسِها من وليِّها ، والبِكْرُ تُستأذَنُ في نفسِها ، وإذنُها صُماتُها)، وعن عائشةَ أمِّ المؤمنين ـ رضيَ اللهُ عنها ـ قالت: كانت الخنساءُ ابنةُ خدامٍ الأنصاريةُ زوّجَها أبوها وهي ثيّبٌ ، فكرهت ذلك، فأتت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) فأخبرته ، فردَّ نكاحَها .
ومما ينبغي التنبيهُ عليه والانتباهُ له أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الشِّغارِ، وهو أن يزوِّجَ الرجلُ ابنتَه لرجلٍ على أن يزوِّجَ له الرجلُ الآخرُ ابنتَه، وليسَ بينهما صداقٌ، وكذلك الأختُ بالأختِ، فإذا وقعَ ذلك على عدمِ الصداقِ فالنهيُ للتحريمِ، وإذا كان مع الصَّداقِ فالنهيُ للتكريهِ، والحرُّ يأباه ولا يقبلُه .
فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ، وتمسّكوا بتعاليمِ دينِكم الحنيفِ، عَضًّوا عليها بالنواجذِ، وإيّاكم ومُحدثاتِ الأمور) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ((الأنعام ـ 153(، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المزمل ـ 20) ، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (،(البقرة ـ 281) (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور ـ 31(.

* المصدر (موقع القبس الالكتروني لعبدالله القنوبي)