رؤية ـ حسام محمود
كتاب "نحو ثورة في الفكر الديني" للدكتور محمد النويهي, العراك الفكري والديني المعاصر الذي أفرز أطروحات أثرت على تفاعلات الأمتين العربية والإسلامية مع القضايا المعاصرة والراهنة . فالهزائم والانكسارات التي تعرض لها العرب على مدى التاريخ أعقبتها انتصارات مجيدة لكن الاخفاقات تتكرر بشكل لافت رغم صمود العرب خاصة في الصراع العربي الإسرائيلي أو في مواجهاتهم ضد التطرف , وضد التخلف والهمجية والغوغائية . ولعل الانتصارات التي تحققت يجب ألا تنسى العرب أنهم يعيشون حقبة محفوفة بالمخاطر تشهد نكسات فكرية وثقافية , وليست فقط سياسية فهي ليست أخطاء عسكرية بل نكسات تعود إلى تراجع اقتصادي وفكري وديني وأخلاقي , ولتلافى أسباب الانحسار يجب إصلاح فكري للإختلالات , والمضي نحو الانتصارات بتغيير الثقافة لبناء حضارات قادرة على الصمود .
صراع حضاري
تبدو الحاجة ماسة إلى العودة للثقافة الدينية الصحيحة والفكر المستنير الرافض للتطرف والتشدد والتعصب للصعود نحو تشييد التنمية القائمة على الشجاعة الأدبية لمواجهة التحديات . ولعل حقيقة الصراع بين العرب وإسرائيل , وبين الأمتين العربية والإسلامية والغرب ينطوي على صراع إيديولوجي أكبر بين رؤى الحضارة وتفاعلات المجتمعات وأفكارها وثقافاتها من خلال ما يطفو على الساحة السياسية من مواجهات عسكرية , فالمصالح متشابكة لكن الأطروحات الفكرية والثقافة الاجتماعية والشعبية مختلفة الجذور . ولعل الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع قيم ومبادئ وأخلاقيات تعامل وفكر ديني يصل لدرجة الصراع على البقاء بمقتضى النواميس الطبيعية والقوانين التاريخية المحايدة . فاليهود يصورون في فكرهم وثقافتهم أن الأرض التي يحاربون عليها كانت حق موروث لهم عن أجدادهم السابقين , وتلك مغالطة فكرية كبرى في ضوء أنه لو صدقت حتى لكان هناك في تطبيقها انقلاب هائل في ديموجرافية سكان العالم وتوزيعهم لصالح أناس آخرين في بقاع بعيدة وطأة أقدامهم منذ تاريخ طويل وحقب سحيقة على الأرض التي يطالبون بامتلاكها واغتصابها من سكانها الحاليين . إنه يجب على المسلمين أحداث ثورة فكرية في فهمهم للأحداث ومعرفة كيفية مواجهة أكاذيب اليهود , وأيضا إصلاح الفكر الديني من خلال ثورة فكرية وثقافية ترفض الإرهاب والتطرف لأنه يصب في صالح الصهاينة في نهاية المطاف بضياع حقيقة الإسلام السمحة في أنظار العالم بفعل مجموعات من العصابات المرتزقة التي تتاجر باسم الإسلام الذي منها براء . فإسرائيل تلح في تكرار أنها القبس الوحيد لنور الحضارة الحديثة في الشرق الأوسط وسط تخلف ثقافي وفكري وانحطاط تعج به المنطقة , مما يعنى ضرورة أن يثبت العرب والمسلمون أنهم أصحاب حضارة يمكن أن تشرق عليها الشمس من جديد بعد ظلمات التراجع باستعادة أمجاد الماضي وربط الحاضر والمستقبل بالتنمية والرخاء والعمل , وإصلاح المنظومة العقائدية من خلال إطلاق فكر معتدل وسطى وسط هذه الفوضى التي تضرب شعوب المنطقة , فالرؤى الصحيحة لصحيح الدين الإسلامي هي طوق النجاة لانتشال شعوب الشرق الأوسط من كارثة الاقتتال والتناحر والتشرذم . والثورة هنا تعنى ثورة على المغالطات والأكاذيب والتلفيق والمراوغة بصبغة الدين بصبغات واهية تقوم على التعصب الأعمى وإقامة جماعات إرهابية تقامر بالدين الحنيف لصالح فئات ضالة تتآمر على الإسلام والمسلمين بزرع ثقافة الأكاذيب .
الإصلاح الأيديولوجي
يقارن الخبراء بين إسرائيل وجاراتها العربية من حيث الديمقراطية والحرية والفكر والثقافة , فيجدون غالبية العرب ينخرطون في أفكار عتيقة وثقافة رجعية دون التقدم أو مسايرة العصر . فالثورة الثقافية العربية المطلوبة تكون بالعودة للمنهاج الرشيد فى التفكير وأخذ من الدين الإسلامي صحيحة وعدم تشويه معطياته حتى لا تضيع الهوية كى تستطيع الأمة منافسة عدوها الصهيوني اللدود , فإسرائيل تكون فى خضم سعادتها وهى ترى العرب يلهثون أمام الخلافات والتناحر , ومع اشتداد أزماتهم لا تدع إسرائيل الفرص تفوتها لغرس بذور الفتن الفكرية بين شباب الأمة كي تقضى على مستقبلها . ومادامت الفرقة العربية مستمرة فإن إسرائيل تستغلها بل وتشجعها بأفكار حول التمرد والعصيان تارة , وزرع فتن بحجة الديمقراطية والحرية المنفلتة تارة أخرى , فالحاجة ماسة الآن لتغليب الدين الإسلامي بروحه السمحة لحل معضلات تفوق إسرائيل على العرب فكريا وسياسيا . وليس الأمر حالك السواد فالعرب انتصروا على اليهود كثيرا والمسلمين كسروهم فى عدة مواجهات بل وتمكنت الثقافة الإسلامية من دحض الكثير من الافتراءات والأكاذيب الصهيونية المارقة بالتحلي بالشفافية والوسطية , ولكن ضياع الكثير من معالم هذه التيارات السمحة فى الأمة الإسلامية يجعل العرب مغيبين عن سلاحهم الحقيقي لمواجهة فكر العدو الصهيونى القابع متحفزا يريد الفتك بالجسد العربي, فاليهود يشنون حربا فكرية واعلامية وثقافية ضد العرب يستبيحون فيها الدين الإسلامي بتشويه معطياته , وهو ما يتجلى فى وأد التيارات المعتدلة الرشيدة , وتغذية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للتآمر والانشقاق والفتن والضغينة بين العرب والمسلمين فى محاولات مستترة لنزع سلاح الفكر الذى فيه النجاة للأمة , وهو الثقافة الإسلامية السمحة الخالية من التطرف والتشدد والتعصب حتى تختلط الأوراق وتجهز التيارات المتناحرة بالمنطقة على نفسها , وتبقى رهينة التدخلات الخارجية بعد أن فقدت بريقها , وهو تمسكها بمعتقداتها الفكرية الدينية الوسطية , فالتخريب الخطير الراهن ليس خلال المواجهات العسكرية ضد أعداء العرب بانتكاسات سياسية , ولكن من خلال مؤامرات فكرية لتغيير العقول والقيم والأخلاقيات والمبادئ الراسخة , وتوطين النزاعات العرقية والمذهبية , وتضييع العقول في صراعات رخيصة لا منتفع منها سوى أعداء العرب وفى مقدمتهم إسرائيل . ومن المطلوب من الشعوب العربية الثورة على الفساد وتغليب الوعي الثوري الصحيح النابع من الدين للتغيير , وعدم الانخراط في فكر عتيق قائم على تعصب أعمى , فليس هناك أنجح من تطهير النفوس من خلال تغليب المصالح العامة الواسعة على النظرة الضيقة القائمة على المنافع الخاصة والرخيصة , وليس المطلوب إطلاق ثورات غوغائية تطمس فكر وأمن واستقرار المجتمعات ولكن البحث عن الهوية الدينية بمعايير الإسلام السمحة لتطبيق ثقافة معتدلة تنبذ الظلم والفساد وتدعو للإصلاح .