أحمد صبري:
حلت علينا قبل أيام الذكرى الـ19 لغزو العراق واحتلاله التي لعبت فيه وسائل الإعلام الأميركية دورا في الترويج له وتبريره؛ استنادا إلى رواية الإدارة الأميركية التي أكدت أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ويهدد الأمن القومي الأميركي تطلب نزع أسلحته بالقوة رغم اتساع المعارضة للخيار الأميركي لهذه الحرب.
وعلى الرغم من أن صقور الإدارة الأميركية الذين اتهموا العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل أكدوا أن اتهاماتهم للعراق لم تكن صحيحة وغير دقيقة، وأنهم تعرضوا للضغط من إدارة بوش الابن لتبريره، لا سيما من وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن بأول ومدير المخابرات الأميركية الأسبق جورج تينت اللذين أكدا خلو العراق من هذه الأسلحة.
إن الدور الذي لعبته آلة الحرب الإعلامية الأميركية وإبراز مخاطرها على مستقبل العراق والمنطقة عموما كانت خطيرة ومؤلمة من حيث تحري الدقة والمصداقية بالتعاطي مع خيار الحرب التي خلَّفت آثارا تدميرية ما زال العراق يئن من تداعياتها رغم مرور نحو 19 عاما على الحرب.
وبتقريب الصورة الواقعية على ما يجري في العراق بعد نحو 19 عاما على غزوه واحتلاله، نستطيع القول إن الواقع الذي يعيشه العراق مرير ومؤلم ومفتوح على جميع الخيارات، ويواجه انسدادات وضعته في خانق ربما لا يمكن الخروج منه. فالطبقة السياسية باتت تتطير من النقد والمساءلة، وتتعاطى مع المظاهر الاحتجاجية المتصاعدة على سياستها بأنها معادية، وتتعامل بريبة معها مهما كانت المقاصد سليمة ومشروعة.
وإذا عدنا إلى المتحقق على أرض الواقع بعد نحو 19 عاما، فإننا نستطيع القول: إن الطبقة السياسية بجميع رموزها ما زالت تعيش أزمة ثقة وغياب التوافق على القواسم المشتركة التي تحصن الوطن، وأصبح الخلاف بين أطرافها عميقا ويزداد اتساعا، رغم محاولات التوافق عبر اتفاقيات ومواثيق شرف، سرعان ما ينتهي مفعولها بعد التوقيع عليها.
وما يجري بعد الانتخابات الدليل على دخول العراق في خانق الانسداد السياسي وانعدام الرؤية لرموزه بالتعاطي من نتائج الانتخابات، لا سيما العامل الخارجي في تحديد مساراته، وهو الأمر الذي أضاف أثقالا جديدة على كاهل العراق رغم ما يعانيه من أحمال ما جرى بعد إحلال العراق.
فالحديث عن السلبيات وإبراز مخاطر الانزلاق مجددا في العنف الطائفي ومخاطر التدخل الخارجي، واقتراح المعالجات الحقيقية للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية، وكشف المتاجرين بقوت الشعب، والمتلاعبين بثرواته، وتسليط الضوء على الحيتان التي توفر الغطاء للمفسدين، كل هذه المخاطر ينبغي أن يتصدى لها الجميع أصبحت مهمة وطنية. والسؤال: مَن يتحمل مسؤولية شن الحرب على العراق من دون دليل ويقين بعد أن تكشفت أوراقها وبانت مقاصد هذه الحرب؛ لأنها كلفت العراق الكثير وما زالت تداعياتها مستمرة، ناهيك عن تحوُّل العراق إلى بلد فقير مهدورة ثرواته الوطنية من قبل لصوص حوله إلى بازار مفتوح لنهب أمواله وتاريخه وحضارته والمتاجرة بها في أسواق النخاسة.. نقول: مَن يتحمل المسؤولية؟