د. يوسف بن علي المُلَّا:
تمرُّ علينا لحظات، وفي أيامنا هذه نرى الفرد قوي البنية أو المعافى بين أقرانه فجأة يسقط نتيجة التهاب فيروس بسيط أو نتيجة الإنفلونزا، أو ربما يطرق على بابه مرة أخرى فيروس كورونا بالرغم من أخذه التحصين المعزز له! ألم نلاحظ ذلك في أنفسنا أحيانا أو بين أشقائنا كهذه الحالات المماثلة؟
أوَليس الحق أن تلك الفيروسات ومسبِّبات الأمراض تتغير مع مرور الوقت، وهكذا تفعل تلك الجزيئات والخلايا التي تستخدمها أجسامنا لمكافحتها، بما في ذلك الأجسام المضادة؟ فلماذا لم تفكر المجتمعات يوما في الاستقصاء عن مناعة أفرادها بالطريقة نفسها التي نستقصي بها الفيروسات لنرى كيف تتطور بمرور الوقت؟
ما أعنيه هنا حقيقة، أن مراقبة حالة الحماية من الأمراض لدينا ترقى إلى نوع من المراقبة المناعية التي يمكن أن تخبرنا ـ إن صحَّ لي القول ـ عندما تتضاءل المناعة، ومتى تحتاج إلى زيادتها! كاستخدام اختبار الأجسام المضادة مثلا، لمعرفة كيف تتغير مستويات الأجسام المضادة بشكل كبير وسريع بمرور الوقت، ولعل مجتمعاتنا عندها يمكنها أن تحصل على فكرة تقريبية عن الأفراد الذين يكونون أكثر عرضة في حالة حدوث طفرة أو تحور في أحد الفيروسات، كما رأينا مع فيروس كورونا خلال الفترة الماضية، فنعطيهم الأولوية من أجل التعزيزات والتحصين والعلاجات.
بطبيعة الحال، عندما أتابع عددا من الدراسات أجد أن استخدام بيانات الأجسام المضادة لتحديد الأشخاص المعرضين للخطر (والتطعيم المثالي للمرشحين) في مجتمع ما ليست بالشيء الجديد. ولكن ـ بلا شك ـ مثل هذا النظام سيحتاج إلى استثمارات مالية ضخمة، وهو حقيقة أصعب بكثير من المراقبة الفيروسية أو استقصائها!
بمعنى آخر، ونحن ننظر إلى المستقبل ونتطلع إلى سبر أغوار هكذا علوم، كل ما نحتاج إلى معرفته حقًّا وفي المستقبل كيف وهل مستويات الأجسام المضادة ستنخفض على الإطلاق؟ بعض الأفراد، بما في ذلك كبار السن، سوف يعانون حتمًا من تباطؤ أسرع من غيرهم لأجسامهم المضادة على سبيل المثال، وحقيقة هؤلاء هم الأشخاص الذين نرغب في منحهم الأولوية لإعادة التطعيم إذا بدأت موجة جديدة من الحالات في الارتفاع ـ كما هو الحال مع جائحة كورونا (كوفيد١٩) ـ ناهيك أنه يمكن أن تكشف المراقبة المناعية أيضًا عن متحورات فيروسية لا تزال غير معروفة قد تؤدي إلى خفض أعداد الأجسام المضادة. بل ويمكن أيضًا أن تخبرنا مراقبة مستويات الأجسام المضادة في المجتمع عن كثب بمن لا يحتاج إلى اللقاح المعزز.
وهنا كما يبدو ما زلنا وما زالت المجتمعات من حولنا تتعرف على العوامل التي غالبًا ما تدفعنا للتطعيم مرة أخرى. حينئذ سنرى ـ كما أيضا رأينا سابقا ـ كيف يتحول الفيروس بسرعة كبيرة إلى درجة أننا سنحتاج إلى حقنة (لقاح) معاد صياغتها كل عام. أو ربما سيتباطأ تطورها، وسيحدد الهبوط في مستويات الأجسام المضادة ـ إن صحَّ القول ـ تعزيزاتنا التحصينية. ولعلِّي أجزم هنا أن الانتباه لكليهما يمكن أن يساعد في تحقيق التوازن الصحيح.
ختاما، الكثير من المؤسسات والمختبرات الطبية عالميا تتابع كيفية تغير الفيروس وتحوره بمرور الوقت. فلماذا لا تراقب المناعة أيضًا؟ هل سيأتي ذلك المستقبل ومجتمعاتنا بشكل خاص تتبنى هكذا استراتيجية جديدة للبقاء متقدمين بخطوة واحدة في مواجهة أي فيروس... سنرى؟!