خميس بن عبيد القطيطي:
خطوة تقدمية رائدة، المبادرة الوطنية للحوار مع الشباب، ولا شك أن الحوار الوطني يسجل نقلة نوعية متقدمة في الحركة الوطنية العُمانية، ويقدم أحد نماذج استقطاب الفكر الوطني، ويحمل أهدافا سامية من حيث المشاركة التفاعلية بين الحكومة والمواطن، عندما يستشعر الشاب العُماني أنه رقم مهم في هذه المعادلة الوطنية، وأنه جزء من هذه الشراكة الوطنية لتحقيق تغذية راجعة وتقديم فكر وطني يخدم الوطن في كل مساراته الوطنية، إضافة إلى أهمية هذا الحوار في التصدي لمختلف التحدِّيات الوطنية.
لقد أثلجت صدور المواطنين تلك التوجيهات السامية التي صدرت قبل عدة أشهر لتبني الحكومة الحوار مع الشباب، وأعتقد أن الحوار والشفافية بين المواطن والحكومة يُمثِّل قيمة وطنية عليا، وقد سبق الإشارة إلى ذلك في مقالات سابقة تثمينا لهذه الفكرة الثاقبة وأهميتها في الحركة الوطنية، وعُمان اليوم في أمَسِّ الحاجة لهذه الحوارات البنَّاءة لتقديم نموذج وطني عُماني متميز.
الحوارات على الساحة الوطنية العُمانية لم تتوقف منذ عام ١٩٧٠م؛ أي منذ تولي المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد، فانطلقت مسيرة النهضة المباركة بالتوازي مع الجولات السامية التي لم تتوقف في كل أنحاء عُمان جبالها وسهولها وأريافها وقراها من أقصاها إلى أقصاها. هذه الحوارات النخبوية التي سجَّلت رافدا وطنيا ونموذجا من نماذج الحكم الرشيد في تاريخ الدولة العُمانية الحديثة، كما أن السلطان الراحل ـ طيَّب الله ثراه ـ لم يكتفِ أيضا بتلك الجولات، بل سبَر كل بقعة من بقاع السلطنة أثناء وجوده بمقار إقامته في مختلف محافظات السلطنة، ليشرف بنفسه ويتلمَّس حاجات الوطن العزيز، وتستكمل هذه المسيرة الخيرة على يد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي سار على نهج السلطان الراحل لتجديد نهضة عُمان المباركة.
حوارات الشباب التي انطلقت خلال هذه الأيام تُمثِّل نموذجا فريدا في سياقات الدولة الوطنية، ولها أهداف عميقة جدا في إثراء الفكر الوطني العُماني، وعُمان تترقب ما تفرزه هذه الحوارات في المنظومة الوطنية ومدى الاستفادة منها.
إن تحقيق الاستفادة والجدوى من هذه الحوارات تتطلب توافر عناصر متكاملة لهكذا حوارات وإلا فإنها ستفقد جدواها، ولن تقدم شيئا يذكر، ويفقد الوطن ميزة إيجابية وفرصة تاريخية قد لا تتوافر للكثير من دول العالم؛ نظرا لأهميتها. لذا نأمل من الإخوة المعنيين في وزارة الداخلية أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار؛ كونها فرصة ذات قيمة كبيرة باعتبار المواطن شريكا أساسيا في هذا الحراك الوطني، ولا شك أن المواطن يمتلك من الفكر والإخلاص الوطني ما يؤهله للقيام بهذا الدور الحيوي المأمول .
الحوار بين أهم أضلاع الدولة الوطنية (المواطن والحكومة) يُمثِّل مشروعا وطنيا وشراكة حقيقية إذا تحقق لها الإعداد والتنسيق والإخراج الصحيح. وهذا الإخراج والإعداد سوف يحقق الأهداف المأمولة بإذن الله. وما نأمله هنا أن تستمر هذه الحوارات بشكل سنوي لتوفير تغذية راجعة يمكن للحكومة أن تستند إليه في هامش وطني مفتوح بعيدا عن النظم التقليدية التي تحكم العلاقة مع المؤسسة البرلمانية، فالحوار مع الشباب يخرج من عباءة التقليد البرلماني المعروف الذي تحكمه بعض الضوابط ويواجه بعض الصعاب التنفيذية، بينما الحوارات العامة المفتوحة قد تستخلص أفكارا وطنية غير تقليدية وطروحات متنوعة وفكرا تنويريا يرفد الحركة الوطنية. لذا نأمل أن تنظم هذه الحوارات بشكل سنوي ولا يتم التقليل من أهمية مخرجاتها الوطنية، فإن لم تقدم شيئا اليوم ـ بلا شك ـ ستقدم نموذجا وطنيا مشرفا في المستقبل.
المتأمل لآلية تنفيذ هذه الفكرة الوطنية يتوقف عند بعض النقاط التنسيقية التي سبقت إجراء الحوارات، ونطرحها هنا للفائدة الوطنية. لكن ـ للأسف ـ هناك الكثير من الطروحات الوطنية التي لا تلقى الاهتمام ولا يعتد بها طالما أنها لم ترفع من قِبل جهات مؤسسية، ولا بُدَّ هنا من الإشارة إلى ذلك من أجل الوطن، فما يقدم على وسائل الإعلام من قبل الرأي العام الوطني يحمل أهمية قصوى في سياقات الحركة الوطنية، وهو ـ بلا شك ـ يتوازى مع هذه الحوارات، ويقدم فكرا وطنيا متكاملا يستند إلى معطيات وبراهين هدفها الأول عُمان.
شروط الحوار التي أعلنت من قِبل وزارة الداخلية وطريقة التسجيل الإلكتروني أعتقد أنها بحاجة إلى بعض التعديلات والمراجعة؛ لأن تحقيق ثمار أي حوار لا بُدَّ أولًا من تقديم الفكرة إعلاميا ومنحها مساحة إعلامية في الإعلام المحلي كفكرة رائدة يعوَّل عليها في الحركة الوطنية، وتوضيحها بشكل واسع وتهيئة الذهنية الوطنية لهكذا حوارات، ثم فإن اختيار الطرف المحاور مسألة لا بُدَّ منها لتحقيق النجاح التام، وليس عن طريق التسجيل الإلكتروني العشوائي. لذا من المهم اختيار وانتقاء الطرف المحاور عن طريق مكاتب الولاة، أما آلية التنسيق (الإلكترونية) الآنية وعدم الإعلان عنها كمشروع وطني فلن يحقق جدواها وأهدافها، وبالتالي في حال وجود أية نتائج بيانية متراجعة سوف ينظر لهذه الحوارات على أنها غير مجدية، وتقديم صورة هزيلة بناء على هذه التجربة، لذا نؤكد أن الإعداد للحوار والتنسيق الإعلامي وانتقاء بعض العيِّنات من المجتمع سوف يحقق الهدف المنشود.
استبعاد أهم فئة مجتمعية من هذا الحوار وهي الفئة العمرية بين (٤٠ ـ٧٠ عاما) باعتبار أن الحوار مخصص للشباب يُمثِّل إجحافا لهذه المبادرة الوطنية، ويحجب عنها الفكر الناضج من قبل ذوي التجربة في ميادين العمل الوطني، وهو بحد ذاته إشكالية كبيرة تقلص نتائج مخرجات هذا الحوار، وإذا كان المسمى يُمثِّل إشكالية ليكن المسمى الحوار الوطني المفتوح؛ لأن الهدف هو تقديم الفكر الوطني البناء وتحقيق الشراكة الوطنية بين المواطن وحكومته في حوارات وطنية منهجية نموذجية تُمثِّل سبقا في التجربة العُمانية، ولكن هذه الشروط المجحفة وآليات التنسيق والتسجيل العشوائي وعدم تهيئة الرأي العام لها سوف يحبط هذه المبادرة الوطنية. ولا يفوتنا أيضا أن نشير إلى أحد شروط القبول لهذا الحوار (المؤهل الدراسي) الذي حددته الوزارة بشهادة الدبلوم العام كأقل تقدير. أعتقد أنها غير موفقة، فهناك فئات بالمجتمع لديها تجربة وخبرة قد لا تتوافر لأصحاب المؤهلات الدراسية، ويمكن انتخاب هذه الفئات من وسط المجتمع لتقديم نموذج وطني متكامل.
تسليط الضوء على هذا الحوار الوطني الذي تتبناه الحكومة في إطاره الوطني، وتسجيل هذه النقاط لتحقيق مخرجات وطنية حقيقية تُمثِّل أهمية قصوى في سياق الحركة الوطنية. لذا ينبغي اقتناص هذه الفرصة التاريخية وإجراء بعض التعديلات عليها واستدامتها بشكل سنوي، وقد تتضح بعض الملاحظات من خلال الحوارات الحالية التي تنفذها الحكومة ونسأل الله التوفيق والسداد.