هيثم العايدي:
إذا كانت أولى التغيرات التي طرأت على المشهد العالمي بعد الحرب الروسية الأوكرانية هو دخول العالم في سباق تسلح تقليدي، خصوصا في القارة الأوروبية رغبة من الجميع في الاعتماد على قدراتهم في الدفاع عن أنفسهم بعد ما شهدته أوكرانيا من إحجام من كانوا يعدونها بالتحالفات عن الدفاع عنها.. إلا أنه يبقى استخدام الأسلحة غير التقليدية، سواء كانت نووية أو كيماوية أو غيرها أمرا غير مستبعد.
وجاءت أولى بوادر سباق التسلح من ألمانيا التي تعهدت فور اندلاع الحرب بزيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير، حيث أعلنت عن ضخ 100 مليار يورو (113 مليار دولار) لتحديث الجيش الألماني. كما ستنفق ألمانيا بحلول عام 2024، ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي كل عام على الدفاع.
كما تنامت دعوات لزيادة أعضاء حلف الناتو (باستثناء أميركا) ميزانيات الدفاع 25% للوصول إلى نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي وذلك في قفزة نوعية على الميزانيات العسكرية الضعيفة قبل الحرب، حتى أن الأحاديث تدور حول فتح المحادثات المتعلقة بتطوير طائرة قتالية أوروبية مستقبلية.
كذلك أعلنت أستراليا على لسان رئيس وزرائها سكوت موريسون، العزم على زيادة تعداد جيشها بنحو 30%، وبتكلفة تقدر بنحو 27 مليار دولار حيث يقول المسؤولون الأستراليون إن هذه الخطوة تأتي في مواجهة "التهديدات العسكرية التوسعية".
وبطبيعة الحال، جاءت هذه الإعلانات لتزيد مكاسب الشركات العاملة في الصناعات الدفاعية، حيث تشير التقارير إلى زيادة تصل إلى 89% لسهم شركة "هنسولدت" لصناعة أجهزة الاستشعار والرادار، وكذلك ارتفاع أسهم شركة "راينميتال" المنتجة للدبابات وناقلات الأفراد بـ49%.. وقفز سهم شركة "دايسو" الفرنسية لصناعة الطائرات المقاتلة بـ9.2%.
وعلى الناحية الأخرى أيضا رفعت الصين ميزانيتها العسكرية بنسبة 7.1% لعام 2022، في نسبة مرتفعة قليلا عن الزيادة في العام الماضي التي بلغت 6.8%.
ووفقا لتقرير الميزانية الحكومية، خصصت بكين نحو 1.45 تريليون يوان (230 مليار دولار) للدفاع الوطني تمتلك الصين بذلك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة.
وإذا كان من الطبيعي أن يتناسب حجم الإنفاق الدفاعي لكل دولة مع حجم التحديات والتهديدات التي تواجهها، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت المخاوف من استخدام الأسلحة غير التقليدية والذي بدأ في الأيام الأولى للحرب بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع "قوة الردع" في الجيش الروسي (والتي تشمل عناصر نووية) في حال التأهب، فيما تبع ذلك إعلان روسيا عن وجود مختبرات بيولوجية تديرها أميركا في أوكرانيا، ثم إعلان الرئيس البولندي أندريه دودا أن بلاده تعتزم التعاون بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة بشأن دخولها إلى مجال الطاقة النووية.
وما يزيد هذه المخاوف أيضا تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أنه كلف "فريق النمور" المؤلف من خبراء ومتخصصين لوضع مخطط طارئ لاحتمال أن تستخدم روسيا أسلحة كيميائية في أوكرانيا أو تقوم بشن ضربات على أراضي حلف شمال الأطلسي وذلك حسبما أفاد موقع أكسيوس الإخباري الأميركي.
وإذا كان أمر استخدام السلاح غير التقليدي لا يتعدى المخاوف في الوقت الحالي.. إلا أن اشتداد الأزمة وصول أحد طرفيها مرحلة اليأس يجعل استخدام هذا السلاح أقرب من أي وقت مضى.