بات الواقع الفلسطيني سواء باستمرار العدوان والانتهاك والإرهاب الإسرائيلي أو الأوضاع المعيشية المأساوية وحياة التشرد التي فاقمتها العاصفة الثلجية المسماة "هدى"، بات هذا الواقع يكشف الحد الذي بلغه الاحتلال الإسرائيلي في ممارساته وانتهاكاته وإرهابه، ومدى النفاق والتواطؤ من قبل بعض القوى الدولية المؤيدة لهذا الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي الظالم والمنتهك لكل المعاهدات الدولية والخارق لكافة القوانين الدولية، وقد رأى العالم بأجمعه مدى هذا النفاق والتواطؤ وحجم الاستخذاء وقوة التحالف الاستراتيجي من خلال مشاركة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بل وتقدمه المسيرة المنددة بالإرهاب والمتضامنة مع فرنسا على خلفية الهجمات التي شهدتها مؤخرًا.
ولذلك إذا كان هذا هو حال ما يسمى المجتمع الدولي الذي أصبحت فيه قوى لا ترى في الإرهاب إلا "إرهاب الإسلام المتشدد والمتطرف"، وتغض الطرف، بل تؤيد جملةً وتفصيلًا الإرهاب الصهيوني، وإذا كان هذا حال مجرم الحرب والإرهابي الإسرائيلي أنه يقتل القتيل ويمشي في جنازته، ويتقدم مسيرات منددة بالإرهاب وهو ملطخة يداه بدماء الشعب الفلسطيني وبدماء العرب كلهم، فما الذي سيحصل عليه الفلسطينيون من مرهبهم؟ وما الذي سيجنونه من قاتلهم ومشردهم سوى مزيد من الإرهاب والدمار والخراب والتشريد والتدمير؟ فكم هو مثير للسخرية أن ينظم المتحالفون استراتيجيًّا مع الاحتلال الإرهابي الإسرائيلي والداعمون له مسيرة تندد بالإرهاب ومن بين من يقودونها إرهابيون وداعمون للإرهاب، وكم هو مخجل ومزعج أن تسير الضحية مع جلادها ويرافقها المتلطون بالإسلام وبمزاعم الدفاع عن الحق الفلسطيني وكذلك المحسوبون على العروبة.
الفلسطينيون يتحدثون مجددًا همسًا وتصريحًا عن رغبتهم في العودة إلى مفاوضة عدوهم وناهب حقوقهم ومشردهم ومرهبهم خاصة إذا توافرت الضمانات اللازمة لنجاح عملية التفاوض؛ أي أنهم لا يزالون متمسكين بالمفاوضات وشاهرين سلاحها أمام عدوهم ظنًّا منهم أن هذا السلاح سيعيد إليهم ما اغتصب من حقوقهم، رغم أنهم لم ينسوا أن من نسف مشروع قرارهم الأخير في مجلس الأمن الدولي مستعد أن ينسف عشرات غيرها، ومستعد أن يعطل عشرات أخرى إذا ما حصلت على الإقرار كما يعطل الآن القرارات الدولية ذات العلاقة بالاحتلال والصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأسباب فلسطينية وعربية معروفة. ونسوا أو تناسوا أن هذا المتحالف والداعم والمعطل هو من نصب عدوهم الإرهابي المحتل في مقدمة مسيرة باريس.
ولكن هذا لا يعني الدعة والاستسلام، وإنما يحتاج إلى مواصلة العمل السياسي والميداني المقاوم والتحلي بروح الصبر والمثابرة وتفنيد الحقائق ووضع العدو الإسرائيلي وحلفائه وباطلهم على مقصلة الحق. ولذلك يحاول الفلسطينيون الكرَّة بالتعاون مع أشقائهم العرب بإعادة صياغة مشروع قرار جديد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتقديمه إلى مجلس الأمن والسعي لحشد التأييد له، في ضوء نتائج اجتماع مجلس جامعة الدول العربية أمس الأول في القاهرة، حيث قرر المجلس تكليف رئاسة القمة العربية ولجنة مبادرة السلام العربية وموريتانيا ومصر والأردن والمغرب والأمين العام للجامعة، بإجراء ما يلزم من اتصالات ومشاورات، لحشد الدعم الدولي لإعادة طرح مشروع قرار عربي جديد أمام مجلس الأمن خاص بإنهاء الاحتلال وإنجاز التسوية النهائية واستمرار التشاور مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن والمجموعات الإقليمية والدولية. إلا أنه ما لم تكن هناك جدية ومساعٍ حثيثة وصادقة واستعداد عربي تام لاستخدام شتى الوسائل الممكنة لإقرار المشروع والمباشرة في تنفيذه، فإن مصير هذا المشروع كسابقه أو كسابقاته من القرارات المعطلة إن حظي بالإقرار، فمثل هذا التحرك يتطلب آلية تنفيذية فاعلة، أي أن يشعر العالم أن لدى العرب سلاحًا ومستعدين لاستخدامه ضد الدول التي ستعيق الخطوات المطلوبة لحل القضية الفلسطينية حلًّا عادلًا ووفقًا لقرارات الشرعية الدولية.