د. أحمد بن سالم باتميرا:
إن لقاءات جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مع شيوخ وأعيان البلاد في كل محافظات السلطنة، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وتلمُّس حاجاتهم في مختلف ربوع الوطن العزيز وإطلاعهم على رؤية جلالته في المرحلة القادمة اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا، بالإضافة إلى تعميق الاستفادة من الرأي الآخر في كيفية تحقيق التطور التنموي وتنويع الموارد الاقتصادية.
فالاقتصاد القوي لم يعد مقصورا على الدول الكبرى، بل يمكن أن تكون الدول الأخرى قوية اقتصاديا من خلال الاستفادة من مقوِّماتها وموقعها وثرواتها الوطنية وما تملكه من مميزات تجعلها في مقدمة الدول المنتجة والمصدرة لبعض المنتجات المهمة التي يكون العائد منها مرتفعا، مما يجعلها تلعب أدوارا كبيرة في الناتج الاقتصادي عبر النجاح في نسج علاقات تعاون مثمرة مع الدول الشقيقة والصديقة من خلال تأسيس علاقات قوية قائمة على مبدأ الشراكة الحقيقية والفاعلة، وليس مذكرات تفاهم تبقى في الأدراج لسنوات وسنوات!
فعلى جهاز الاستثمار العماني التحرك في هذا الجانب داخليا من خلال إيجاد مصانع تستقطب جزءا كبيرا من الباحثين عن عمل، وخارجيا في الدخول في استثمارات ناجحة وذات عائد مستقر. إن العالم يسابق الزمن في الجانب الاقتصادي، وهناك دول أصبحت عملاقة في هذا الشأن سياحيا واقتصاديا، واليوم تأتي التوجيهات السامية بخفض رسوم إصدار وتجديد تراخيص استقدام القوى العاملة غير العمانية وغيرها؛ لتشجيع القطاع الخاص للقيام بدوره والاستفادة من هذه القرارات في بناء مشاريع ومصانع عملاقة في الدقم وغيرها، تسهم في رفع وتيرة توفير فرص عمل للباحثين عن عمل مستقبلا، فضلًا عن دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز إسهامها في الاقتصاد الوطني من خلال التسهيلات الضرورية، خصوصا للمؤسسات ذات المشاريع النادرة والناجحة.
فالحياة الكريمة لأي بلد تقوم على اقتصاد قوي مستدام، وليس قوة عسكرية حاليا، فنحن اليوم بحاجة لكفاءات مبدعة في الطرح والفكر، تقدم حلولا وتجلب الدول والشركات للاستثمار، وليس مذكرات تفاهم أو بروتوكولات على الورق، وعقول تجلب أيديا عاملة منتجة ومصنعة.
وبمثل هذا الفكر والمشاريع العملاقة، ستعم عوائد التنمية ربوع الوطن؛ لأن محافظاتنا تتميز كل واحدة منها بهُوية مختلفة عن الأخرى اقتصاديا وزراعيا ومعدنيا وسمكيا وحرفيا وسياحيا، وهذا سيوجد هُوية جديدة بفكر جديد وعمل وطني، كما نشاهده الآن في محافظة الداخلية، خصوصا في ولايات نزوى وبهلاء والحمراء تحديدا كمثال، ومع تضافر كل الجهود وتحرك المحافظين والولاة سنحقق الرؤية التنموية والسياحية.
ولهذا، فإن الأجواء والمنطلقات الإيجابية وارتفاع أسعار النفط تجعلنا نستثمر في إيجاد مصانع مستدامة، أكثر إنتاجية وأكثر قابلية للأيادي الوطنية المتدربة مع العمل على تعميق الروابط التجارية والاقتصادية مع الدول التي ترغب بذلك على النحو الذي يحرص فيه الطرفان على تحقيق مصلحة الشركاء، وتعظيم الاستفادة المشتركة والمتبادلة.
وفي تقديري، فإن الوزراء المختصين مطالبون بالاستفادة من تجارب الدول التنموية والاقتصادية الناجحة والاطلاع على تجاربها في الاعتماد على الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي كانت بمثابة الرافعة الحقيقية لتطور الاقتصاد في بلدانها دون الخروج لنا بتصاريح لا تسمن ولا تغني من جوع، وبأرقام واهية لا تحقق أي إضافة لإخراج الاقتصاد الوطني من دوامة الأزمات المتلاحقة.
والتجارب الناجحة في بعض الدول العربية والماليزية والكورية والإيطالية والألمانية وغيرها في دعم وتطوير الصناعات الصغيرة تميزت بالنهج التكاملي والتخصصي بين القرى والمدن المختلفة لإنتاج خامات أو أجزاء معيَّنة مما تحتاج إليه الصناعات المختلفة، فالتكاملية بين المحافظات في المرحلة القادمة مطلب أساسي في التنويع الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي لتحقيق النجاحات الكبيرة المرجوة.
هذه المرحلة كانت تتطلب من الحكومة الحالية خطة إنقاذ لتعافي وإنعاش الاقتصاد الوطني نتيجة الأزمة المالية وجائحة كورونا، وليس توازنا ماليا للتأثير على دخل المواطن البسيط وتنفيذ التقاعد المبكر الذي ما زال البعض يعاني منه، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فخطة الإنقاذ الآن تتطلب زيادة الإنفاق ومساعدة الشركات المتعثرة، وتقليل الفائدة وتسهيل الإجراءات وحماية المستهلك من جشع بعض التجار وارتفاع الأسعار، من خلال خطة مدروسة تولد عائدات مالية والاستفادة من العائدات النفطية والغازية والضرائب وغيرها، فالاقتصاد هو شريان وأساس قوة أي بلد وعمودها الرئيسي.
فالتجديد والتطوير وفتح السوق المحلي حاجتان ملحتان اليوم من أجل حياة آمنة ورفاهية للمجتمع العماني. ولتحقيق هذا الهدف، لا بُدَّ من اقتصاد متطوِّر وقوي ومستدام، وحراك داخلي وخارجي لجهاز الاستثمار العُماني ووزارة الاقتصاد، واستغلال الموانئ والمطارات وثروات البلد المتعددة. فالدول لا يمكن لها أن تنمو وتبقى قوية في مواجهة الأزمات دون شريانها الرئيسي القوي المعتمد على قوة الاقتصاد الذي يُعد المورد الرئيسي لموازنة أي دولة، بالإضافة إلى التوظيف والأمن والرفاهية.. وهذا لن يتأتى بالدعاية في "السوشيال ميديا"، بل بالتحرك والبحث وتفعيل القرارات ومذكرات التفاهم وتقديم التسهيلات والإغراءات للشركات والدول المستثمرة.. والله من وراء القصد.