فرضت التحدِّيات والأزمات العالميَّة المتوالية حتميَّة رقمنة الخدمات الحكوميَّة، خصوصًا في فترة تداعيات أزمة كورونا "كوفيد19"، وأضحى من الضروري الاستفادة من إمكانات التواصل الرَّقمي الحالي، والعمل على تقليل التعامل المباشر بَيْنَ مُقدِّم الخدمة والمُستفيد لحدِّه الأدنى، واستطاعت الدوَل، التي سَعتْ مبكرًا لاستخدام تلك التقنيَّات الرَّقميَّة الحديثة، تلبية حاجات المُستفيدين عن طريق توفير خدمات رقميَّة تلبِّي بسرعة أكبر، وتمَّ تفكيك الوظائف التقليديَّة إلى مهام منفصلة، غير مرتبطة بموقع محدَّد أو بيئة محدَّدة، وأظهرت جائحة "كوفيد19" مدى التَّباين ودرجة التعقيد بَيْنَ المهام. فهناك مهام وضح أنَّها أكثر سهولة لتحقيق التحوُّل الرَّقمي، وأخرى يكون العمل بها أكثر تعقيدًا، ويحتاج إلى وقت؛ بهدف إنجازه رقميًّا بنسبة 100%، خصوصًا الخدمات الحكوميَّة المختلفة، التي بات عليها تجاوز الاتِّصال المباشر، والعمل على رقمنة خدماتها وفق متطلبات الحداثة التي يشهدها عالمنا بسرعة مذهلة.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ الجهات الحكوميَّة أضحت مُلزَمة بالتوجُّه نَحْوَ الرَّقمنة، وتقديم الخدمات إلكترونيًّا بشكْلٍ يُواكب العصر، ويحرص على أنْ تكُونَ تلك الخدمات الرَّقميَّة تتوافق مع متطلبات الجودة الخدميَّة، وتحسين أدائها استجابة لتطلُّعات المواطنين، وكذا مُواكبة وتيرة التنمية المُستدامة، وتأتي فئة الضمان الاجتماعي كإحدى الفئات التي تحتاج لتوطين الرَّقمنة لتقديم أوْجُه الدعم كافَّة، والاستفادة من التقنيَّات الحديثة لتقديم تلك الخدمات لهذه الفئة المعوزة عن بُعد، خصوصًا ونحن لا نزال في خضمِّ أزمات عالميَّة متوالية، أسهمت في رفع أسعار السِّلع العالميَّة، ما يفرض على الحكومات ضرورة تلبية الاحتياجات الأساسيَّة لتلك الفئة ذات الدخل المحدود، والعمل على تلبية احتياجاتها بسرعة وكفاءة وجودة عالية، والاقتداء بدُوَل امتلكت نُظمًا رقميَّة متقدِّمة تسمح للسكَّان بالحصول على الخدمات الحكوميَّة والتجاريَّة بالكامل عَبْرَ الإنترنت، وظهر ذلك جليًّا مع تفشِّي جائحة كورونا، حيث استطاعت تلك الدوَل تقديم خدماتها الاجتماعيَّة، وتقديم الدعم السَّريع رغم التباعد الاجتماعي.
ولعلَّ تلك الحتميَّة هي التي دفعت وزارة التنمية الاجتماعيَّة إلى تدشين الحزمة الأولى من مشروع التحوُّل الرَّقمي للوزارة والتي تشمل (خدمات الضَّمان الاجتماعي) و(المساعدات الاجتماعيَّة) واللتين تَضُمَّان (20) عشرين خدمة فرعيَّة، وهي خطوة تُعدُّ مُهمَّة جدًّا في ظلِّ وجود شريحة كبيرة من الخدمات التي تُقدِّمها الوزارة للمواطنين، وتُظهر حرص الحكومة على أنْ تصل الخدمات إلى المواطنين؛ بهدف تخفيف العبء على مراجعي الدوائر أو المديريَّات من خلال قدرة المواطن على تقديم طلبه عَبْرَ بوَّابة الوزارة، كما يُتيح مُتابعة الطَّلب من خلال استخدام أجهزة الحاسوب أو الهاتف المحمول. ويبقى أنْ تُقدَّم تلك الخدمات بشكْلٍ يتَّسم بالسرعة والجودة المطلوبة؛ نظرًا لأهميَّة ذلك للفئات التي ستُقدَّم لها تلك الخدمات، ويَجِبُ أنْ يتمَّ الترويج لها وشرحها شرحًا مبسطًا لكيفيَّة استخدام المواطنين المتلقِّين لتلك الخدمات بشكْلٍ بسيط ومُيَسَّر، يُحقِّق الغرض من تقديمها إلكترونيًّا، فهذا التوجُّه الجديد يؤكِّد أنَّ البلاد لدَيْها فُرصة حاسمة للقفز إلى اقتصاد رقمي بدرجة أعلى.
وتزامن مع تدشين الخدمات الجديدة، تأكيد وزارة التنمية الاجتماعيَّة أنَّها تتطلع إلى تدشين حزمة أخرى من الخدمات تتعلَّق بمجال الحماية الاجتماعيَّة أو الأشخاص ذوي الإعاقة والخدمات المرتبطة بهذه الفئات، وهو ما تحتاجه تلك الفئات بشكْلٍ عاجل، ويبقى الإقرار بوجود تحدِّيات كبيرة مُتعلِّقة بتقديم تلك الخدمات رقميًّا، منها ما يتعلَّق بطبيعة الحالات ومُتغيِّرات المُجتمع، والوضع الاجتماعي لكثير من الحالات، ووجود المُستجدَّات والمُتغيِّرات في الأنظمة والتشريعات والقوانين وشكَّلت تحدِّيًا في برمجة بعض الخدمات، تعمل الوزارة على تذليل تلك الصعوبات، وتدشين المزيد من تلك الخدمات في المستقبَل القريب، حيث جاء التدشين الأخير ضِمْنَ الخطَّة الاستراتيجيَّة للتحوُّل الرَّقمي لمُواكبة توجُّه السَّلطنة إلى تحسين جودة الخدمات الحكوميَّة، وطُرق تقديمها وفق ضوابط ومعايير ومراحل زمنيَّة محدَّدة بما يضمن التكامل مع مختلف المؤسَّسات الحكوميَّة ذات العلاقة.