د. جمال عبد العزيز أحمد:
.. كما أن هناك التدريب على قراءة بعض كتب التفسير المختصرة الكاشفة للمعنى من أقرب طريق، والتي وُضِعَتْ خصيصًا لوضع اليد على المطلوب من الآية، والكلمة، والمعنى العام للسورة، والآية، فليكن له كتابٌ ميسَّر لشرح كلمات القرآن الكريم، وكتاب ميسَّر في تفسير جزء عم، أو جزء تبارك، أو جزء(قد سمع)، أو أيّ جزء يقرؤه، وبفضل الله الشبكة المعلوماتية (النت) أمستْ مزدحمة بالكتب المتخصصة، والمختصرة، والميسِّرة لكل علم، ليس فقط العلوم الشرعية كالتفسير، والحديث، والفقه، والعقيدة، وعلوم اللغة العربية، وغيرها ممَّا هو مهمٌّ لقارئ القرآن الكريم، فليكنْ من الآنَ قد جمع مكتبة ميسَّرة في التفسير، وفهم الحديث الشريف، وفي الموعظة، وفي كيفية استغلال وقت رمضان، واستثمار الزمن عمومًا، والكتب التي تُعِين على فهم، وشرح ذلك كله؛ ويتدرب ساعة في اليوم يتنقل بين هذا، وذاك، وهذه، وتلك؛ ليكون ذلك ميسِّرا له على فهم الكتاب العزيز، وعلومه، وليكن ـ كما أعملُ ـ أن أقرأ تفسيرًا مختصرًا لطبيعة المقروء في الاعتكاف يوميًّا؛ لأن هناك مساجدَ تقرأ أجزاءَ القرآن متتابعةً، فلو قرأ شيئًا ملخصًّا، ومختصرًا عن غايات السور، وموضوعاتها، وأهم ما يستنبط منها، ويقف عن بعض الآيات الكبيرة، التي تسمَّت بها بعض السور، يقرأ تفسيرها، ويتوقف عند مطلوبها، ويتعرف قيمها، ومدلولاتها- لكان أدعى إلى سرعة الحفظ، ويسر التلاوة، ووضوح الفهم، وسعة الإدراك، وكمال الموعظة، وتمام السعادة.

ومنها مراجعة المحفوظ من القرآن الكريم، وخصوصًا إذا كان إماما يصلِّي بالناس، ففي تلك الأيام فرصة للمراجعة، وتثبيت الحفظ، والزيادة عليه، وهناك أناس يصلون في بيوتهم من كبار السن، والعَجَزة، ويقرؤون من مصحف التهجد الموضوع على القائم الحديدي، أو الخشبي، وهذا عملٌ لا بأس به، ويشجِّعهم على القيام، والتهجد، وكثرة الوقوف بين يدي الله، والله يُعطيهم العافية، والقدرة على مواصلة ذلك، وكل ما يقرِّبنا من الله، وطاعته فنحن معه، لا يمنع مطلقًا أن يصليَ المرءُ، ويقرأ من المصحف سواء أكان حاملا إياه في يده، أم موضوعًا على حامل، أو قائم يحمل المصحف لكبر حجمه بسبب خطه، الذي يحبُّه كبارُ السن؛ لضعف بصرهم، عافاهم الله، وبارك فيهم، وأعاد عليهم نعمة البصر، ودقة النظر.

ومنها مساعدة الأولاد على طاعة الله، وحُسْنِ عبادته، فإن كانوا صغارًا، ولكن مدركين لمعنى الطاعة ومفهوم العبادة، أخذهم معه إلى المسجد، وحبَّبهم فيه، ودرَّبهم عليه؛ حتى يُنَشَّؤوا على ذلك، وينفعهم كبارًا، فنحن لم نحافظ على الصلوات جماعةً في المسجد إلا بفضل الله أولا، ثم بفضل الوالدين اللذين كانا حريصين على أن يرسلونا إلى المسجد، وفضلُ الوالد واضحٌ حيث كان يأخذنا معه، ونصلِّي بجواره صغارا، ونسمع القرآن الكريم، ونصلِّي مع الناس، ونرى الراكعين، الساجدين، المسبحين، ونتجول في وجوه الصالحين، ويدعون لنا؛ ولذلك نحن نحرص على تعليم أولادنا ما علَّمه إيانا آباؤنا، وأمهاتُناـ رحمهم الله أجمعين.

وكذلك مساعدتهم على التلاوة، وتخصيص وقتٍ لتعليمهم، والصبر عليهم؛ حتى يحسنّوا التلاوة، ودقة القراءة، وتعرُّف أحكام التجويد، ومساعدتهم في رمضان على القراءة في القرآن الكريم، ونصبِّر أنفسَنا، وألا نضجر مِنْ تعليمهم؛ لأنهم فيما بعد سيذكروننا بالخير، ويدعون لنا، ويكونون مع أولادهم كما كنا معهم نحن.

ومن ذلك التدريب على وِرْدِ الذكر، والتسبيح، وهناك كتبٌ موضوعة للأذكار المسنونة، وهي واضحة، وسهلة، وموجودة على (النت)، ومن السهل تنزيلها، وتنفيذ ما فيها، وأقلُّ شيء من الذكر أن يذكر المسلم الباقيات الصالحات، كأنْ يخصِّصَ لنفسه سُبْحة، أو مجموعة من السُّبَح، يذكر ربه عليها، ويَعلم منها وِرْدَه، هل انتهى منه أم لا يزال عليه بعضا منه، فيسبِّح الله مائة مرة، أو ألف مرة، ويحمده كذلك، ويكبِّره كذلك، ويهلله كذلك، ويحوقله كذلك، أيْ يقول:(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، وأن يصليَ على النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألف مرة، فإن استصعب لك فليكن مائة مرة يوميًّا، ويقول الأدعية المسنونة في رمضان، مثل التي كان الرسول يحرص عليها في نهار رمضان، من نحو:(لا إله إلا الله، أستغفر الله، اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار)، أو بلفظ الجمع:(.. نسألك الجنة، ونعو بك من النار).

ولو كان له وِرْدٌ يومي فالأفضل هنا استعمال المسبحة، وفي الحديث الذي رواه السيوطي:(نِعْمَ المُذَكِّرُ السُّبْحَةُ)، أو يكون لديه مسابحُ إليكترونية تَعُدُّ له وحدها دون جهد منه ما يريد من أعداد الذكر، وفيها ضوءٌ من أجل النظر فيها ليلا، وبعضها موجودٌ على النت، أي هناك مسابح على النت بأنماط ، وأشكال، وبرامج كثيرة، أي لا يحتاج إلى أن يشتريَ منها شيئا، المهم أن يكون الذكر، وأوراده مذللةً بين يديه، ومسهلة عليه، وتكون سُبحته العادية في يديه عند نزوله، وطلوعه تذكِّره بربه؛ لأن الإنسان أحيانا ينسى فهي ـ كما في الحديث المتقدم ـ نِعْمَ المذكِّر، يراها، فيبدأ ورده في أيِّ مكان، وفي أيِّ زمان، ويحرص على أوراده في رمضان؛ لتنضح على لسانه في غير رمضان، فأذكار الصباح، والمساء يحرص عليها، ولو أن يقرأها من كتابٍ، أو يصوِّرها منه؛ لتكون بين يديه، وعلى مكتبه، ثم الأوراد الأخرى من الذكر، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويحرص أن يتمتم بها؛ لأنه يمكن أن يراه أحدٌ، فيكون قدوة لغيره، ويحمل غيره ـ نتيجة التنافس ـ على الذِّكْر، ويمكن أن يتسابق مع ابنه، أو أخيه، أو صديقه:(وفي لك فليتنافس المتنافسون)، رزقنا الله وإياكم شرفَ التنافس.

ومن ذلك وِرْدُ التفكُّر في الأنفس، وفي خلق السموات، والأرض، وترك النفس تعيش في قلب نِعَمِ الله، وتقف أمام آلائه، وما بثَّ في الكون من آياتِ قدرته، ودلائلِ التوحيد، ومظاهرِ المقدرة، وعلاماتِ ألوهيته، أو التفكر في خلق الإنسان نفسه، فالتفكر لمدة دقائق ينقِّي القلبَ، ويصفي النفسَ، ويقرِّبها من الله، فلابد من دقائق نتفكر فيها، لأن التفكر ـ هو في حد ذاته ـ عبادة عظيمة، غفل عنها الكثيرون من الناس، وربما استهانُوا بها، واستقلُّوها، فتركوها، مع أن القرآن الكريم يمتلئ بتذكيرهم بمسألة التفكر، والسير، والنظر، وفقْه ما يرون في الكون مبثوثًا هنا، وهناك، وهنالك، فبعضهم يظن أن العبادة محصورة فقط في أعمال الجوارح من: صلاة، وقيام، وركوع، وتلفظ بالذكر، باللسان، ونحو ذلك من أعمال بدنية ظاهرة، وجهِل أو تجاهل هؤلاء، وهؤلاء أنّ للقلب كذلك أعمالًا يُتعبَّدُ بها لله عز وجل، وقد يكون هناك عملٌ قلبيّ هو أفضل من بعض أعمال الجوارح، وأكثرها ثوابًا، وقربًا من الله تعالى، كما أن التفكُّر قد يؤدي إلى إخبات، وبكاء بين يدي الله، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:(.. ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه)، ذكره متفكِّرا في آلائه، ومناحي عظمته، وخشيته، وسعة رحمته، وشامل فيوضاته، وظل يتفكر، فلم يملك نفسه حتى فاضت عيناه، أي نزلتْ دموعه منه بغزارة كالفيضان عيناه، وهكذا شأن العلماء الذين قال الله فيهم:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر ـ 28).

ونسوق في هذا المقام قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما:(ركعتان مقتصدتان في تفكير خير من قيام ليلة، والقلب ساهٍ)، وقول عمر بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ الخليفة الخامس الزاهد الورع التقي البكَّاء:(الكلام بذكر الله عز وجل حسنٌ، والفكرة (أي التفكر) في نِعَمِ الله أفضلُ العبادة)، وهذا هو لقمان الحكيم قد ورد عنه في مثل هذا السياق قوله:(إنّ طولَ الوِحدة ألهمُ للفكرة، وطول الفكرة دليلٌ على طرق باب الجنة)، سبحـان الله على دقـة الفهم والفقه، وقول وهب بن المنبه:(ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، ولا فهم امرؤ قطُّ إلا عَلِمَ، ولا علم امرؤ قط إلا عَمِلَ) أي: أن التفكر يأخذ بيد صاحبه إلى العلم؛ ومن ثم إلى التطبيق والعمل، فالتفكير مطية العمل والالتزام .

فلتكن لنا دقائقُ يوميًّا نتذكر فيها، ونتفكر في خلق السماوات والأرض، وفي أنفسنا، وما فيها من نعم الله الكثيرة، ولنا في هذا العمل الكريم ثوابٌ كبيرٌ، وكان السلف ـ كما رأيتم ـ كثيري التفكر، وكثيري التأمل؛ عملا بتعليمات القرآن، وآيات الكتاب العزيز.

هذا بعض ما بدا لي من مؤهِّلات رمضان، والله يُعينُنا جميعًا، ويجعلُنا أهلا لاستقبال الشهر الكريم، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

* كلية دار العلوم - جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية

[email protected]