علي بدوان:
لم يستقر الوضع الاقتصادي الفلسطيني المتراجع، والمضطرب، على الإطلاق طوال السنوات الماضية المنصرمة، نتيجة عدة أسباب مُجتمعة، كان منها سياسات الاحتلال ذاته، وإلحاقه للاقتصاد الفلسطيني، وجعله تابعًا لسياساته الاقتصادية. بكل جوانبها، مما جعل منه اقتصادًا تابعًا، ليس له استقلالية، أو ماهية، أو شخصية اعتبارية. بل اقتصادًا تابعًا تمام التبعية للاحتلال. وزاد معه جولات العدوان المتتالية التي لم تتوقف ولم تهدأ على قطاع غزة، والضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة. وقد ألحقت تلك الحرب العدوانية الخسائر الهائلة بالبنى التحتية والمنشآت في قطاع غزة، بما فيها المعامل الصغيرة، ومرافق الحياة اليومية.
لكن، وبكل سلاسة، مقبولة، ومعقولة، وتحمل المؤشرات الإيجابية، بدأ الاقتصاد الفلسطيني بالتعافي التدريجي رويدًا، رويدًاـ وبحدودٍ معيَّنة في ظل انكسار المنحنى الوبائي لجائحة كورونا (كوفيدـــ19)، والتراجع النسبي لجائحة الوباء الفظيع والمؤذي جدًّا، والناتج عن (كورونا) والمُسمى بالجائحة المتحوِّرة بـ(أوميكرون). التي تنتشر أسرع من بقية السلالات الناتجة عن جائحة (كورونا)، وهي جائحة (شبه قاتلة في أغلب الأحيان). والتي أصابت أعدادًا واسعة من البشر في بلدانٍ مُختلفة. ومنها بلدان الشرق الأوسط.
ومن جانب آخر، علينا القول، إن التهتك والضعف العام، الذي أصاب الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات التي تلت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، جاء نتيجة سياسات الاحتلال بعد قيام السلطة الوطنية، والذي مَسَّ الاقتصاد الفلسطيني، وأصابه بالصميم، بعد جولات العدوان المُتكررة، خصوصًا على قطاع غزة. وهو اقتصاد محكوم بجوانبه المختلفة، وإلى حد كبير بـ"الاقتصاد الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية".
فعند قيام السلطة الوطنية، كانت سياسات الاحتلال تقوم على اعتبار أن "السلطة الفلسطينية جزء من سلطة وإدارة الاحتلال من كل جانبها".
وعليه، ومن خصائص اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية اعتماده العالي، بل الكلي، على المساعدات الخارجية، خصوصًا في الجاب المالي، وهو أحد مصادر الدخل الأساسية للسلطة الحاكمة، وتأتي المساعدات المالية من الدول العربية، والاتحاد الأوروبي والولايات الأميركية المتحدة للسلطة الوطنية الفلسطينية وميزانيتها العامة. كما يتميَّز هذا الاقتصاد بوجود نسبة عالية من العمال الأجانب في "إسرائيل" جاؤوا من الخارج لفلسطين المحتلة، من تركيا وتايلاند، ومصر، ودول إفريقية...إلخ.
وبالرغم من التوقف شبه التام في فترة معيَّنة، للدعم الخارجي المتدفق لفلسطين، والذي كان يتدفق على الفلسطينيين، والسلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أن هبوطًا واضحًا بالدعم الخارجي بدأ يتغير لجهة عودة الدعم المالي وسيولته للسلطة الوطنية الفلسطينية، بدلًا من توقفه أو إحجام بعض الدول الأوروبية وغيرها عن توفير الدعم المالي للفلسطينيين.
لقد شهدت معظم الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ارتفاعًا في القيمة المضافة، ما أدى لارتفاع في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1%، ليزداد بذلك مستوى الطلب العام لمؤشري الاستهلاك والاستثمار الكلي في فلسطين (الضفة الغربية والقدس والقطاع). استمر الاقتصاد الفلسطيني وبوتيرة مرتفعة في إيجاد فرص عمل جديدة مستفيدًا من معدل نمو حقيقي قدر بحوالي 4% لعام 1998.
إن مساعدات الدول المانحة (الأوروبية والعربية والولايات المتحدة الأميركية) للسلطة الوطنية الفلسطينية، وميزانيتها العامة، تُعد مهمة جدًّا. إن هذا ما يُمكن أن نُسميه بـ(الاستثمار). الذي يعمل على تعزيز سياسات النمو الاقتصادي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، الذي تم تحقيقه في الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة بالرغم من الضائقة المستمرة، والصعوبات القائمة.
إن كل المؤشرات في فلسطين (المناطق المحتلة عام 1967) تشي بأن الوضع السياسي سيكون أفضل عما كان عليه بشكلٍ أو بآخر في فلسطين 1967 من الفترات الماضية، من خلال التحسُّن المتوقع على المستوى المحلي في تهيئة الظروف المناسبة. حيث من المتوقع عودة استمرار المساعدات الخارجية كما تؤكد المعطيات اليومية، ووصولها إلى المستوى الذي كانت عليه قبل عام 2019، وارتفاع قيمة المساعدات المقدمة من الدول المانحة لتمويل الموازنة العامة للحكومة المركزية الفلسطينية، وزيادة دعم المشاريع التطويرية لتمويل مشاريع الشباب والتي بدورها ستؤدي الى محاربة البطالة والفقر وحالة العوز.
فضلًا، عن اتخاذ السلطة الوطنية، لمجموعة من الإجراءات العملية والفعلية في محاربة التهرب الضريبي وزيادة كفاءة الجباية الضريبة بدلًا من التهرب منها من قبل أصحاب رأس المال، والتحسُّن في تحصيل ضريبة الدخل والقيمة المضافة (المحلية والمقاصة) المترافقة مع تحسن الوضع الاقتصادي بما يشمل تحويل إيرادات المقاصة التي يجبيها "الاحتلال الإسرائيلي" نيابةً عن الحكومة الفلسطينية بشكل منتظم، وإعادتها لمصدرها الفلسطيني بدلًا من وضعها بيد الاحتلال، حيث ما زال الاحتلال يضع يده على أموال "المقاصة"، ويمنع التحكم الفلسطيني بها.