جود مرسي:
ساعات قليلة وتبدأ أيام شهر رمضان المبارك أعاده الله على جلالة السلطان المعظم والشعب العُماني والأمتين العربية والإسلامية باليُمن والبركات. وفي رمضان يبتهل المسلمون إلى رب العالمين بالدعاء، ويكثرون من العبادات والطاعات، آملين أن يكونوا ممَّن سيكتب لهم الفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار. ولأن تعاليم ديننا الحنيف تأمرنا بمراعاة الفقراء والمحتاجين والإكثار من تطبيق التكافل الاجتماعي وعلى رأسه إيتاء الزكاة، قال تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" والزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة والتي جاءت في ترتيبها كما نصَّ الحديث الشريف، بعد الشهادتين والصلاة وقبل صوم رمضان والحج، كما أنها ذكرت في القرآن الكريم 30 مرة منها 27 مرة مقرونة بالصلاة، ويتسارع المسلمون في إخراجها، وخصوصا القادرين من الأمة. وعملية الزكاة هي عملية اقتصادية ينفرد بها العالم الإسلامي دون غيره من الأمم والديانات، إذ إنها من أكبر أنواع التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي، وهي أكثر أنواع التجارة ربحا؛ لأنها مع الله رب العالمين. ولأننا أصبحنا منصهرين في عالم يموج بالمتناقضات والانحرافات التي تبتعد كل البُعد عن أخلاق الإسلام والمسلمين، مثل استبعاد بعض الاقتصاديين غير المسلمين ربط الأخلاق بالاقتصاد، ويصفون الاقتصاد بأنَّه علمٌ محايد ولا صلة له بمباحث الأخلاق. أما في الاقتصاد الإسلامي، الذي يُعَدُّ جزءًا أصيلًا من العقيدة الإسلامية، فلا يمكن فصل المعاملات التِّجارية والاقتصادية عن الإطار العامِّ للشريعة الإسلامية، إذ الفرد المسلم في تعامله مع الآخرين ينظر إلى رقابة الله عليه في هذا التعامل، والضوابط الإسلامية لأخلاقيات الاقتصاد تتجسد أجمل تطبيقاتها في فريضة الزكاة.
إن الزكاة والصدقات والمساعدات، هي حق معلوم للسائل والمحروم في أموال الأغنياء، ولو التزم كافة المسلمين بتعاليم الإسلام السمحة لما وجدنا في بلادنا فقيرا أو مسكينا يتضور جوعا، فالتبرعات والصدقات ضمن حقوق التكافل الإسلامي بين الشعوب، خصوصا وأنه في وقتنا الحالي يعاني الكثير من الشعوب الإسلامية ويلات الأزمات المتلاحقة الناتجة عن الصراعات الدولية وأزمة الفيروسات المرضية. إن الزكاة أمانة بين العبد وربه، إذ يحرص الفردُ على أداء واجبه بمراعاة حقوق المستحقين للزكاة التي وضعتْ بين يديه. كما أنها نوع من أنواع البر، يقول تعالى ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾.
إن شهر رمضان فرصة فريدة للتكامل الإسلامي بين أفراد المجتمع الغني فيه والفقير، كما أنه أيضا فرصة لنثبت لغير المسلمين أن اقتصاد الإسلام المبني على الزكاة هو نموذج أخلاقي فريد. ولنتخيل أن التاجر هو دافع الزكاة وأن المشتري هو متلقي الزكاة، ومن دون هذا الثنائي لن تكتمل العملية الاقتصادية بعناصرها الفاعلة لتستمر عجلة الحياة، ويستمر معها القوام الأساسي لأي مجتمع، تكون عناصره أكثر تواؤما للأخلاق الاقتصادية والاجتماعية. فهي تؤدي إلى إنعاش الاقتصاد وتحقيق التنمية؛ لأنها تؤدي إلى الإنفاق الذي يؤدي إلى زيادة الطلب وإنعاش الاقتصاد وتنامي الأموال. إن الزكاة بكل مُكوِّناتها الدينية والأخلاقية والمالية هي الوسيلة الفاعلة التي تثبت أن الاقتصاد هو اقتصاد أخلاق، لا كما يقول الآخرون، أن لا أخلاق في الاقتصاد.