لَمْ يَعدْ إحياء ذكرى يوم الأرض مناسبة فلسطينيَّة يستذكر فيها أبناء فلسطين نضالهم ضدَّ الاحتلال الغاشم، ولا لتخليد وتجسيد تمسُّك الشَّعب الفلسطيني بأرضه ووطنه وتخليدًا لشهداء يوم الأرض. لكنَّه أضحى رمزًا لكُلِّ أصحاب الحقِّ القِيَم والمبادئ الإنسانيَّة السَّامية، ووصمة عار على جبين المُجتمع الدولي الصَّامت على جرائم وانتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيليَّة، فيوم الأرض فلسطينيًّا هو عنوان وهُوية، وأرض فلسطين هي مركز الصراع الدائم مع الاحتلال وأطماعه التوسعيَّة، وشهداء يوم الأرض الستة يُمثِّلون آلاف الشُّهداء من أبناء فلسطين في رحلة دفاعهم عن أرضهم، واستذكار أبناء فلسطين وإحياؤهم لهذا اليوم يؤكِّد لدولة الاحتلال الإسرائيلي وللقاصِي والدَّاني، في هذا العالم الصَّامت المتخاذل، أنَّهم لَنْ يتنازلوا عن شِبر واحد من أرضهم، ونضالهم سيتواصل للحصول على كامل حقوقهم المشروعة، فهذا اليوم الخالد في سِجلِّ الإنسانيَّة يؤكِّد أنَّ أبناء فلسطين طوال تاريخهم رفضوا الرضوخ والمساومة رغم قمع الاحتلال وأعوانه.
وعربيًّا يُشكِّل هذا اليوم فرصةً لاسترجاع أحلام العروبة المنسيَّة، في خِضمِّ الصراعات العربيَّة العربيَّة، فقضيَّة فلسطين وحقُّها في أرضها هدف يجمعنا، ويوحِّدنا مثل الدِّين واللغة، وانتكاسة القضيَّة الفلسطينيَّة تُمثِّل مدى الخذلان الذي وصلنا إليه، والقضيَّة الفلسطينيَّة ـ كانت ولا تَزال ـ هي البوصلة التي تجمعنا إذا ظلَّلت غمامة الأحقاد طريقنا نَحْوَ المستقبَل العربي الواحد المتكامل، هو يوم يذكِّر كُلَّ عربي غيور بحقوقه في وحدة تجمع أبناء هذا الوطن من المحيط إلى الخليج، وحدة تحرص على الأرض كاملة، ولا تُفرِّط في شِبر منها، ولا ترتمي في أحضان الأعداء؛ بغيَة اتِّقاء شرِّهم. ولْنَتذكَّر أنَّ حماية الأراضي الفلسطينيَّة والذَّود عنها هو طريقنا للحفاظ على أراضينا في الخليج والعراق والشَّام ومصر وحتَّى المغرب العربي، فالأطماع الصهيونيَّة ـ كانت ولا تَزال ـ تبحث عن دولة ممتدَّة من النِّيل إلى الفُرات، وكان النِّضال الفلسطيني العربي هو الحائل الذي وقَف شامخًا لِمنْع هذه الأوهام الصهيونيَّة.
أمَّا على الصَّعيد الدولي فقضيَّة فلسطين وأرضها كانت الفرقان الفاصل بَيْنَ المُتشدِّقين بالشِّعارات، والمُرسِّخين للعدوان الإسرائيلي، وبَيْنَ أصحاب الحقِّ والقِيَم والمواقف النَّبيلة، الذين شاركوا أبناء فلسطين العربيَّة نضالهم، ورفضوا الضُّغوط الإسرائيليَّة بكُلِّ السُّبل المُمكنة. إنَّ قضيَّة فلسطين صراط مستقيم يفصل بَيْنَ الحقِّ والباطل، ويوضِّح إلى أيِّ فسطاط ينتمي مَنْ يرفعون شعارات الحُريَّة والإنسانيَّة، ومَنْ يتمسَّحون في الديمقراطيَّة الوهميَّة، فقضيَّة فلسطين تُمثِّل صراع الإرادة ضدَّ الطُّغيان، وتُعبِّر عن المُستضعَفين في مشارق الأرض ومغاربها، وانتصارها يُمثِّل انتصارًا للخير بكُلِّ ما يحمل من معانٍ سامية ضدَّ الشَّر الذي نَمَى وترعرع في ظلِّ حماية دوليَّة من النِّظام العالمي، الذي مرَّر هذه المظلمة التاريخيَّة، ويُصرُّ على ترسيخ أركان دولة الاحتلال الإسرائيلي المُتوحِّشة، التي تُمارس كافَّة صُنوف القَمْع والقتل والإرهاب ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل؛ لهدفٍ وحيد هو سرقة أرضه. لذا فإنَّ إحياء ذكرى الأرض في الثلاثين من مارس من كُلِّ عامٍ يُمثِّل تحدِّيًا لتلك الهجمة غير الإنسانيَّة، وتأكيدًا أنَّ الحقَّ لا يَزال وراءه مطالب، والعالم يحبل بالشُّرفاء الرافضين لهذا الاحتلال والإرهاب، ومَنْ يتمسَّكون بالقِيَم في مقابل قوى الشَّر دولًا وأفرادًا.
إنَّ الإحصائيَّات الرسميَّة الفلسطينيَّة تؤكِّد مدى العدوان الإسرائيلي على كُلِّ ما هو فلسطيني أرضًا كانت أم حجَرًا أم بشَرًا، فَضِمْنَ سياسة الترحيل والإحلال تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وتدمير 1058 مبنًى في فلسطين (353 مبنًى سكنيًّا و705 منشآت)، فيما بلغ عدد الشُّهداء الفلسطينيين والعرب منذُ النَّكبة عام 1948 وحتَّى اليوم (داخل وخارج فلسطين) نَحْوَ مئة ألف شهيد، ويُشار إلى أنَّ العام 2014 كان أكثر الأعوام دمويَّةً، حيث سقط 2,240 شهيدًا، أمَّا خلال العام 2021 فقد بلغ عدد الشُّهداء في فلسطين 341 شهيدًا منهم 87 شهيدًا من الأطفال و48 امرأة، أمَّا عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ـ كما هو في نهاية فبراير2022 ـ فبلغ 4,400 أسير (منهم 160 أسيرًا من الأطفال، بالإضافة إلى 33 أسيرة)، وهي أرقام تعكس حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون.