خميس بن عبيد القطيطي:
لم أجد فكرة قد تتناسب مع الموقف العربي العام مع كيان الاحتلال "الإسرائيلي" سوى التوصيف العربي الروائي كالمستجير بأُم عامر، وحقيقة هذا الكيان لا تحتاج إلى خلفية تاريخية لتشخيصها، بدءا من هجمات عصاباته المسلحة "الهاجاناه" و"شتيرن" في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي التي اعتمدت سياسة الترويع والتهجير للسيطرة على قرى ومناطق فلسطينية، وبدعم من القوى الدولية حينذاك التي ساندت منحه كيانا دوليا باحتلال جزء من الأراضي العربية الفلسطينية عام ١٩٤٨م، ومساندته في جميع الحروب فيما سُمي بالصراع العربي ـ الصهيوني، ليتمدد على حساب الأرض العربية بعد ارتكاب جرائمه من تهجير واعتقالات واغتيالات لم تتوقف ضد أبناء الشعب الفلسطيني وذلك دون إدانة من قبل النظام الدولي بل بمساندة "الفيتو".
هذا الوصف كافٍ لتوصيف العلاقة مع هذا الكيان، وبالتالي لا يتطلب الوصف العودة إلى بروتوكولات حكماء صهيون أو التعرف على مرجعيات أقطابه في اليمين المتطرف من غلاة الصهيونية دعاة الحروب الذين يريدون توسيع الاستيطان إلى أقصى الحدود، ويرفضون حل الصراع بإقامة دولة فلسطينية. وهذا الفكر هو المتجذر في الحكومة الحالية التي يرأسها "نفتالي بينيت" المنحدر من "حزب البيت اليهودي" والذي شكل ائتلافه مع حزب "هناك مستقبل" بزعامة وزير الخارجية "يائير لابيد" الذي لا يعترف بحدود ١٩٦٧م ويرى بقاء الفلسطينيين في كانتونات معزولة ضمن ما يُسمى دولة "إسرائيل"، وهذا الفكر لا يقل تطرفا عن حاخامات "إسرائيل" الداعين إلى قتل العرب، وإن تقمصوا شخصية الحليف والصديق. وبلا شك أن هذا الفكر متجذر في العقلية الصهيونية عموما وقد أثبتته حقائق التاريخ.
على ضوء هذه الخلفية التي تشكل طبيعة العلاقة بين العرب وكيان الاحتلال الإسرائيلي، نجد أن هذا الكيان المحتل يعمل على تسجيل واقع مختلف يناقض جرائمه واغتصابه للحقوق الفلسطينية، بمحاولة استمالة العرب عبر مسميات وشعارات لا أساس لها في الواقع، ومقدما ذاته على أنه الكيان الذي يؤتمن في تجاوز فج لحقائق التاريخ، وهنا لم أجد تشبيها لمحاولة رسم حدود العلاقة، إلا بالعودة إلى المأثورات العربية عندما طارد نفر من الأعراب ضبعا ليلجأ إلى خباء أعرابي فأجاره منهم وأطعمه ليأتي الليل ويلتهم الضبع ذلك الأعرابي المجير له، فضُرب مثلا في التاريخ العربي "كمجير أُم عامر" هكذا هي "إسرائيل" التي رسمت حدودها في الكنيست من النيل إلى الفرات أو "إسرائيل الكبرى" ويشير الخطان في علمها إلى ذلك.
التاريخ الراهن والموقف الفلسطيني والدولي تجاوز هذه الفكرة. أقصد هنا فكرة إسرائيل الكبرى؛ لاعتبارات واقعية كثيرة، منها الخلل الديموغرافي البياني لعدد سكان فلسطين، سواء "فلسطينيو ٤٨" وكذلك باقي أبناء الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تزايد نشاط المقاومة بالداخل الإسرائيلي، والأهم من هذا كله موقف الفصائل الفلسطينية وحجم قدرات المقاومة التي أفشلت قدرات "الجيش الذي لا يقهر" وأفشلت كل استعدادات كيان الاحتلال وقببه الحديدية وملاجئه، وذلك رغم مساندته الدولية لتسجل المقاومة الفلسطينية نتائج لافتة في معادلة الصراع جعلت مستوطنيه في وضع لا يحسد.
المفارقة التي نعيشها اليوم في الواقع العربي تتجسد في محاولة المحتل الإسرائيلي بناء علاقات كاملة مع العرب، وبالمقابل هناك مقاومة فلسطينية معززة بمقاومة شعبية عربية لم يستطع كيان الاحتلال كسر شوكتها، وبالتالي فإن التمسك بالتحالف الإبراهيمي الذي يتشكل في الوقت الضائع في مواجهة محور المقاومة يعد خارج سياقات التاريخ.