علي بدوان:
"إسرائيل" دولة الاحتلال والكراهية "شاء من شاء وأبى من أبى"، هذه المقولة تُعززها سياسات دولة الاحتلال وقوانينها المُتتابعة التي تَمسُّ المواطن الفلسطيني صاحب الأرض الحقيقي منذ قيام هذه الدولة أو بالأحرى (الكيان) على أنقاض الوطن القومي للشعب العربي الفلسطيني عام النكبة.
وبفعل استصدارات الكنيست الأخيرة، أقرّت قانونًا جديدًا للمواطنة (لاحظوا للمواطنة، حين وضعت دولة الاحتلال نفسها في موقع من يعطي صكوك المواطنة للناس...!)، عززت فيه سياسة (البانتوستانات)، أي نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في فلسطين وعلى يد قوات الاحتلال وحكومته، وبعد تشريعه.. طبقًا كما جرى ولمدة تسعين عامًا من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (اسمها: روديسيا سابقًا) قبل إزالة حكم الأبارتهايد عام 1990 (وعلى قاعدة الصوت الواحد للمواطن الواحد) وخرج (دكليرك) من قيادة البلاد، ليحل مكانه نيلسون مانديلا..!!!
أما "القانون الجديد" للكنيست في 10/3/2022، فقد دفعت نحو تبنيه وزيرة داخلية الاحتلال المُتطرفة (أيليت شاكيد)، والتي اعتبرت أن "إقرار القانون في الكنيست انتصارًا لحل ومفهوم واستراتيجية "الدولة اليهودية" المطروح من قبل معظم "الأحزاب الإسرائيلية". وشددت على أن القانون "سيُشكل إحدى الدعائم الأساسية في القانون الأساسي الدائم للدولة الذي سيسعون لإقراره، تحت مُسمى القانون الأساسي للهجرة (والمقصود هجرة اليهود من أصقاع المعمورة الأربع إلى فلسطين المحتلة ـ دون قيد أو شرط، بل وبامتيازات وسلة إغراءات لليهودي القادم إلى فلسطين والجولان السوري المحتل)".
بينما امتدح وزير الخارجية "الإسرائيلي"، الجنرال (يائير لبيد)، و"الذي يُصنف بكونه وسطيًّا ومعتدلًا"، وأمام حشد من أعضاء حزبه في لقاء جمعهم في ساحة ملوك "إسرائيل" في وسط (تل أبيب)، القانون الجديد، حين قال، وبكل وضوح لا لبس فيه: "لا داعي من الخجل من جوهر قانون المواطنة، فهو إحدى أدوات الحفاظ على الأغلبية اليهودية لدولة إسرائيل في معركتها الديمغرافية".
وعليه، ففي العاشر من آذار/مارس 2022، وقبل العطلة البرلمانية بثلاثة أيام للكنيست، دفع البرلمان "الإسرائيلي" (الكنيست) بما يُسمى بـ(قانون "المواطنة) بأغلبية 45 صوتًا مقابل 15 صوتًا، يُعيد ويجدد للوجود مُعظم التشريعات السابقة التي وردت في قانون المواطنة للعام 2003، والذي انتهى العمل به في السادس من تموز/يونيو 2021. ولم يصوت الباقي من أصل الـ(120) عضو كنيست، فالتزم الكثيرون موقف الصامت.
وعمليًّا، القانون الجديد للكنيست، قانون عنصري مائة بالمائة، وتمييزي، وتهميشي يَمسُّ أصحاب الوطن والأرض الأصليين ومن بقي منهم في فلسطين، ومن تعرض للتهجير والتطهير العنصري عام النكبة. حين أصاب القانون 2022 بشكلٍ كامل الفلسطينيين والفلسطينيات من سكان القدس وكل المناطق داخل حدود العام 1948، ومنع في نصوصه، لمَّ شمل العائلات الفلسطينية، بأزواجهن وزوجاتهم من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة، ما لم يتجاوز الزوج سن الـ35 والزوجة الـ25، هذا ويشمل المنع سكان ومواطني كل من سوريا والعراق ولبنان وإيران، التي يضعها القانون في خانة الدول المعادية.
إذًا، ووفق المادة الثالثة مما يُسمى بـ(القانون إياه الجديد للكنيست 10/3/2022)، فإن النساء الفلسطينيات دون سن الـ25 والرجال دون سن الـ35 ممنوعون من العيش برفقة أزواجهن وزوجاتهم في مدينة القدس ومحيطها بعد توسيع إطارها الإداري، وداخل حدود العام 1948 (أي في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948).
وفي "بُكاء النحيب المزوّر والكاذب"، تتباكى دولة الاحتلال "الإسرائيلي" على الإنسانية. فالإنسانية المزوّرة تبدو في القانون المذكور، من خلال إضافة "إسرائيلية" تقول بـ"إمكانية منح بعض الاستثناءات للبعض لأسباب إنسانية من خلال اللجنة الإنسانية التي يُعيّنها وزير الداخلية (هنا وزيرة الداخلية أيليت شاكيد)، على أن لا يتجاوز عدد هذه الاستثناءات الـ58 طلبًا بالمُجمل". والأسباب الإنسانية قد تشمل العنف المنزلي وما شابهه، خصوصًا بين أبناء الجولان السوري المحتل. كذلك الفلسطينيون الذين تعدوا سن الـ35 والفلسطينيات، على أن يُجدد تصريح إقامة لهم داخل حدود العام 1948 بشكلٍ سنوي، ولا يمنح التصريح لحامله أية حقوق اجتماعية أو اقتصادية، بما فيها الحق بالتأمين الصحي (الحق بالتأمين الصحي... أي إنسانية هذه؟)
وفي جوهر الأمر، إن الدوافع خلف هذا القانون الجديد، عنصرية وديمغرافية صرفة مائة بالمائة، خطط لها (دهاقنة) الكيان الصهيوني من أصحاب الترانسفير والتغيير الديمغرافي. فبينما بررت الجهات الرسمية "الإسرائيلي" إقرار القانون بداية بذرائع أمنية صرفة (وهذا ادعاء فقط..!)، لم يخف المروجون له دوافعهم الديمغرافية والمبنية على فكرة التفوق اليهودي والسعي لترجمة شعار "يهودية الدولة" منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد 2 عام 2000، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق (ويليام جيفرسون كلينتون) وعن الجانب الفلسطيني ياسر عرفات، وعن جانب دولة الاحتلال الجنرال ورئيس الوزراء في حينها ديفيد باراك. فالدافع الديمغرافي، والمغلف بادعاءات أمنية غير مُثبتة إطلاقًا، كانت وما زالت وسيلة، وكان هذا واضحًا في أهداف القانون الجديد الذي أقره الكنيست يوم 10/3/2022.
وخلاصة القول، إن قانون الكنيست الجديد بتاريخ (10/3/2022)، وبشأن رفض لمِّ شمل فلسطينيي العام 1967 مع باقي عائلاتهم في مناطق العام 1948، يندرج في إطار سلسلة القوانين والقرارات والتوجُّهات غير الشرعية، بل والعنصرية، التي تتالى إصدارها من قبل حكومات الاحتلال المُتتابعة منذ قيام دولة "إسرائيل"، وكلها تَمسُّ الفلسطينيين، وتعمل على تقزيم وتحجيم وجودهم على أرض وطنهم التاريخي في سياقات مُتابعة عمليات التهجير والتطهير والترانسفير العرقي الصهيوني التي بدأت في فلسطين عام 1948، وتسببت في تهجير أكثر من ثلثي أبناء فلسطين إلى مناطق في الداخل الفلسطيني (قطاع غزة حيث 72% منه لاجئين+ الضفة الغربية حيث 35% من مواطنيها لاجئين)، وإلى بلدان الطوق (سوريا + الأردن + لبنان)، وإسقاط حق عودة عن لاجئي فلسطين إلى أرض وطنهم (أو تجاهله على الأقل)، وبالتالي الطعن بقرارات الشرعة الدولية ذات الصلة، خصوصًا القرار الأممي 194 الرقم 302 لعام 1949 والذي يؤكد على حق أبناء فلسطين بالعودة إلى أرض وطنهم التاريخي.