إبراهيم بدوي:
يطل علينا وعلى الأمة الإسلامية شهر رمضان المبارك في عام استثنائي، نحتاج فيه نفحات هذا الشهر الفضيل الروحية، لتكون عونا لنا على ما نمر به من أزمات متتالية وتحديات كبرى على الأفراد والدول، فهذا الشهر يأتي في ظرف استثنائي على كافة الأصعدة، فهناك موجة ارتفاع في أسعار عالمية لم يشهدها العالم منذ عقود، خصوصا في قطاع المواد الغذائية والأولية، وتكلفة الشحن والتوريد والتأمين جرَّاء جائحة كورونا، وما مررنا بعده من تداعياته على الإنتاج العالمي، ولم نكد ننتهي من تلك التداعيات في مراحلها القصوى، والآن أطلت علينا الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها الكارثية على أسعار السلع العالمية، فبجانب قوة البلدان كأكبر مصدر عالمي للسلع الغذائية والعديد من السلع الأخرى، فقد تأثرت وتعطلت بشكل جزئي سلاسل التوريد في البحار والمحيطات، وشهدت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا، ما أثر على تكلفة النقل البحري والبري، ما أسهم في مزيد من ارتفاع أسعار الغذاء والحبوب والحديد والألمنيوم وغيرها لمستويات تاريخية.
ولكن الأخطر والذي زاد من هذا الغلاء الفاحش هو تلك الموجة من العقوبات الاقتصادية ذات الأبعاد الاقتصادية، التي أثبتت التجارب وتحدث العديد من خبراء الاقتصاد، بأن روسيا آخر المتضررين منها، بل إن رد فعلها على تلك العقوبات كانت ذات تأثير أكبر على الاقتصاد العالمي، وعلى حركة الأسعار بشكل كارثي، خصوصا وأن العديد من الدول حول العالم وفي إقليم الشرق المتوسط على وجه الخصوص، اضطرت، مع زيادة الاستهلاك من مواطنيها في هذا الشهر المبارك، إلى اتخاذ قرارات بوقف صادراتها من المواد الغذائية الأساسية وتحديدا القمح بسبب تطورات الوضع العالمي، حيث يتوقع أن يتضاعف الاستهلاك الغذائي تحديدا من المواد الأساسية، والأغرب أن التغير المناخي كان له هو الآخر تأثير على العديد من السلع الغذائية الأخرى، مثل الأرز والسكر.
صحيح أن هناك أسبابا أخرى غير تلك العقوبات الاقتصادية المتبادلة، لكنها أسهمت وستسهم في المستقبل المنظور في زيادة الأسعار محليا داخل الدول، لكن تلك العقوبات التي تحوَّلت لحرب عالمية اقتصادية، لم يشهدها العالم من قبل، صحيح أن القليل من الحكمة قد جنب العالم، حربا عالمية ثالثة قد تفنيه، إلا أن تلك الصراعات المعلنة والخفية دفعت العالم إلى قطبية متأزمة، فأنت إذا احتجت إلى الأرز الأميركي، فأنت معرض لفقدان القمح الروسي، فالقطبان ينظران لتلك الحرب الاقتصادية، بمنظور من ليس معي فهو ضدي، ومن يشارك في العقوبات أو لم يشارك سيناله أذى اقتصادي، فالتجارب أثبتت أن موسكو آخر طابور المتضررين من تلك العقوبات، وأن أميركا بات لديها اكتفاء ذاتي يحميها أيضا، لذا فالمتضرر هو حركة التجارة العالمية، التي لم تكن تتأثر قديما بالصراعات، والآن أضحت الوسيلة الوحيدة لعقوبات لن تؤثر لكنها لحفظ ماء الوجه الغربي، ونحن من يتأثر بها.
إن هذا الوضع على كارثيته يذكرني بقصة عائلية عن إحدى الجدات، كان لها مصالح تجارية في محافظة أخرى، ودائما ما كانت تذهب إلى تلك المحافظة، وكان لها اثنتان من الأقارب في تلك المدينة، فكانت حريصة أن تذهب بـ(الزيارة) لهما، لتكون ضيفه خفيفة، لكن الشقاق وقع بين الجارتين، وبدأت جدتي تشعر بأن العلاقة مع أيهما ستكلفها خسارة الآخر، لذا قامت بشراء جزء من هذا العقار ليكون لها محل إقامة في تلك المحافظة، بتخرج بذكائها الفطري نفسها من حلقة الصراع، وتبدأ في علاقة أكثر ندية، مع كافة الأطراف، يعي الجميع أنها الأقل تأثرا، فتلك الجدة، نحتاج أن نعي أفكارها، ونعمل على ألا نتأثر مستقبلا بصغائر الكبار وصراعاتهم في أي بقعة من العالم.