الأبناء والعالم الافتراضي يفرض تواجده «2ـ 2»

أجرى الحوار ـ أحمد بن سعيد الجرداني:
تحدثنا في الحلقة الماضية عن التقنية بكافة أنواعها.. واليوم نواصل هذا الحوار مع الدكتور صالح بن سعيد بن هلال الحوسني ـ من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ..
✱ الدكتور صالح تحدثتم حول غرس القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة والمعاني السامية في أولئك الأبناء، فينتقوا أطيب الحديث ويبتعدوا عن سفاسف الأمور، ويحفظوا أسماعهم وأبصارهم عن المحرمات، ولا يصرفوا أوقاتهم إلا في غرض نافع مفيد.. ولكن عن هناك من الابناء من ينغمس في العالم الافتراضي ومن ذلك الألعاب ومنصات التعارف.. وغيرها من الوسائل في هذا العالم كيف تكون الرقابة؟
ـ الأبناء نعمة من الله تعالى ونحن مسؤولون عنهم، كما قال (عليه الصلاة والسلام):(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وأمرنا الله أن نجنبهم موارد الهلاك والعذاب كما قال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا قووا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ..)، ولذا فلا بد من رقابة أبوية وتربية صحيحة لتلافي مخاطر هذه العوالم الرقمية والافتراضية الخطيرة، وبالإضافة لما سبق بيانه من تقوية الوازع الإيماني الذي هو ركن ركين في التعاطي مع هذا الموضوع لأنه يصد النفس عن الخبائث والمحرمات عند عدم الرقيب والحسيب، ويضاف لذلك التحصين الفكري لأولئك الأبناء، وبعد هذا تأتي نشر ثقافة الاستخدام الأمثل مع هذه التقنيات من نحو التثبت والتبين، والأخلاق الراقية في التعامل مع المخالف، وسعة الصدر، مع الالتزام بالحد المطلوب شرعا من الحشمة والسمت الإسلامي، وعدم التنابز بالألقاب الشائنة، وأن يحسب للكلمة كل حساب، وأن يتخذ من الوسائل المعينة ما يضمن عدم التعدي عليه من قبل القراصنة وأهل السوء الذي يتصيدون وينصبون الشباك لافتراس ضحاياهم من الصغار أو الجهلة بعد خدعاهم والتحايل عليهم لقضاء مآربهم الدنيئة، وأما بالنسبة للألعاب الإلكترونية فإن الترويح والتسلية لا بد له من ضوابط فلا يمكن فتح هذا الباب على مصراعيه، مع وجود التوازن في حياة المسلم من غير اعتداء على الفرائض والواجبات المطلوبة من الانسان، وفوق هذا لا بد وأن يكون المحتوى الخاص بهذه الألعاب مناسبا لسن المستخدم، بجانب تحقيقه مقاصد نافعة مقبولة، وأن يخلو مما يتعارض مع الثوابت الشرعية والقيم والأخلاق وكذا العادات والتقاليد التي تتوافق مع قيم الشارع بجانب خلوها من العنف والقمار والمناظر الخليعة والتوجهات المختلفة الضارة بأمن المجتمع وسلامته، وهذا ما يلقي بالمسؤولية للمطورين أو المبرمجين المسلمين لإيجاد محتوى هادف وخال من المخالفات الشرعية لعلاج هذه المشكلة وإلا فان الخطر عظيما لأن الكثير مما هو موجود من هذه النوعية من الألعاب تخفى توجهات خطيرة في جونب القيم والأخلاق وتدعو للعنف وقد توقع في مصيدة الابتزاز كما سمعنا بل ما هو اخطر من ذلك كالانتحار ونحوه.
✱ لقد واكب العالم التعليم عن بعد في ظل جائحة كرونا بمعنى أن العالم الافتراضي قد أبرز حضوره في البيوت.. كيف نفهم من ذلك؟
ـ نعم هناك مجالات كثيرة للاستفادة من هذا العالم الرقمي وهذا الكم الهائل من الوسائل والأساليب الموجودة في الشبكة العالمية ومن ضمنها ما يسمى بالتعليم الالكتروني والذي تنتهجه بعض الجامعات والكليات المرموقة وأصبح له أساليبه وفنونه المختلفة ومنصاته التعليمية الكثيرة وحاز على اعتراف العالم، بل ودعت الضرورة إلى استخدامه في أثناء استعار جائحة كورونا ولزوم الناس في بيوتهم وهو بديل مناسب إلى حد كبير ويعتمد لنجاحه بالدرجة الأولى بالنسبة لطلبة المدراس على التوجيه الأبوي والالتزام بالحضور وعمل الواجبات المطلوبة، مع وجود القيم الايمانية كعدم التحايل أو الوقوع في الغش والخداع رغم أنه في الواقع أقل في الجدوى من التعليم المباشر كما أثبتت الدراسات العلمية ذلك، ولكن يرجى له المزيد من التطوير في المراحل المقبلة بعون الله بعد النظر في السلبيات الموجودة في الأنظمة الحالية ومحاولة تطوريها بما يتناسب وميول الطلاب واستعدادهم الفطري والعمري.
✱ هل من طرق حول التعامل مع مثل هذه التقنيات حتى نجعل من المجتمع مجتمع يتطلع للمفيد بدل عن تضيع الأوقات مع هذه العوالم الافتراضية؟
ـ بجانب ما ذكرناه سابقًا فإن المسؤولية تتضاعف أمام الآباء والأمهات ومؤسسات التعليم المختلفة ووسائل الاعلام لوضع ضوابط محددة للتعامل مع هذه التقنيات وحفظ الأجيال من تلك الآثار السيئة وضرورة إيجاد بيئة مناسبة آمنة خاصة للفئات الصغيرة التي قد تجهل الكثير من الأخطار حول استخدام هذه التقنية، يضاف لذلك ضرورة التواصل الاسري المباشر مع أولئك الأبناء ومعرفة ما يقومون به من أعمال حتى يقع التوجيه المباشر لذلك، وفوق هذا نحتاج إلى تحديد مواعيد ثابتة لتجنب الاسراف الطويل أمام هذه الشاشات مما يستنزف صحة أولئك الأبناء وأوقاتهم وعقولهم، وتوجيه جميع الفئات لاستخدام هذه التقنية مع الحاجة فقط بدون فتح النوافذ الأخرى التي قد تجلب الشرور بدعوى الفرجة وحب الاستطلاع مع كارثية العواقب بعد ذلك.
✱ في الختام ونحن نعيش في رمضان كيف نستغل العالم الرقمي في نشر المحتوى المفيد النافع؟
ـ رمضان هو شهر الطاعة والعبادة، وهو محطة سنوية يقف فيها الانسان مع نفسه يتأمل حصيلة عام كامل، وهو فرصة للتوبة والرجوع الى الله وتغيير العادات السيئة، والاكثار من فعل الخير بقراءة القران الكريم وبذل الإحسان في وجوه الخير المختلفة، ويمكن الانتفاع بهذه التقنية من خلال جملة من الوسائل ومن ذلك عمل بعض المطويات الهادفة، والتذكير بسنن وفضائل رمضان، والتنبيه لبعض الأخطاء والسلوكيات الشائنة التي يقع فيها بعض الناس، وهذا مع الحد الأدنى المعقول لاستخدام هذه التقنية التي ينبغي ألا تكون على حساب أوقات رمضان الفاضلة التي توجه لمعالي الأمور وفضائل الاعمال كالذكر والقيام والدعاء وقراءة القرآن وغيرها من وجوه البر والإحسان.