في ظلِّ الأوضاع الاقتصاديَّة والسياسيَّة العالميَّة، ومع التحدِّيات والأزمات التي توالت في السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة، على جذب الاستثمارات المحليَّة والأجنبيَّة، بَيْنَ الدوَل الكبرى والنَّامية على حدٍّ سواء، فإنَّ وكالات التصنيف الائتماني مِثل وكالة "ستاندرد آند بورز" وما يماثلها، تلعب دورًا كبيرًا في المنظومة في الاقتصاد العالمي عَبْرَ ما تقدِّمه من تقارير أضحت إحدى الوسائل المُهمَّة في يَدِ صنَّاع القرار وأصحاب رؤوس الأموال المستثمرة في بقاع المعمورة كافَّة. فهؤلاء يعتمدون على تقييمات تلك الوكالات بشكْلٍ أساسي قَبل المجازفة باتِّخاذ قرار ضخِّ الاستثمارات في هذه الدولة أو تلك، انطلاقًا من الفَهْم بأنَّ هذه التقارير صادرة من وكالات ذات خبرة وصِيت عالميَّة، وتمتلك رصيدًا من الثِّقة لدى جميع أطراف المنظومة الاقتصاديَّة حَوْلَ العالم، حيث تعتمد مؤسَّسات ووكالات التصنيف على معايير عديدة في تصنيفها مِثل الوضع المالي، ومناخ الاستثمار، والحوكمة والقدرة التنافسيَّة وتوقُّع النظرة المستقبليَّة.
ومن هنا جاءت أهميَّة رفْع وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيفها الائتماني للسَّلطنة من "B+" إلى "BB-" مع نظرة مستقبلية مستقرَّة لأوَّل مرَّة منذ عام 2015م؛ نتيجة تحسُّن مؤشرات الماليَّة العامَّة للدَّولة وانخفاض مخاطر الدَّيْن العامِّ، حيث يُعدُّ هذا التطوُّر الائتماني الأخير شهادة من إحدى الوكالات الموثوقة حَوْلَ العالم بنجاح الإجراءات الماليَّة التي اتَّخذتها حكومة السَّلطنة في إطار الخطَّة الماليَّة متوسِّطة المدى التي اعتمدت لتقليل المديونيَّة والسيطرة عليها، بالإضافة طبعًا إلى ارتفاع متوسِّط سعر بيع النفط ومعدَّل الإنتاج النفطي. فقد ذكر التقرير أنَّه من المتوقَّع أنْ تحقِّق السَّلطنة فائضًا ماليًّا بنسبة 5.7 بالمئة من النَّاتج المحلِّي الإجمالي هذا العام بخلاف العجز المالي الذي كان مقدرًا بنَحْوِ 4.6 بالمئة من النَّاتج المحلِّي الإجمالي، ما يُؤكِّد قدرة البلاد على الوفاء بتسديد فوائد الدَّيْن والأقساط المترتِّبة عليه، مما يُعطي زخمًا لخطوات ترشيد الإنفاق التي اتَّبعتها السَّلطنة في الآونة الأخيرة.
ولعلَّ أهمَّ ما جاء في تقرير الوكالة الدوليَّة، هو الإشارة إلى أنَّ حكومة السَّلطنة وضعت خطَّة متوسِّطة المدى لتقليل الاعتماد على العائدات النفطيَّة والسَّعي نَحْوَ التنويع الاقتصادي، تتضمَّن إجراءات ماليَّة لخفض الإنفاق العامِّ ورفع كفاءته، كما بَيْنَ التقرير أنَّ توقُّعات الوكالة لمعدَّل الدَّيْن العامِّ من النَّاتج المحلِّي الإجمالي في عام 2022م سينخفض إلى نَحْوِ 49.6 بالمئة، وأنَّ هذا المستوى أقلُّ بكثير مما توقَّعته الوكالة في تقريرها السابق الذي قدَّرت فيه أنْ يبلغ معدَّل الدَّيْن العامِّ حوالي 65.1 بالمئة، الأمر الذي عزَّز من رفْع التصنيف الائتماني للسَّلطنة، ويؤكِّد الجدارة الائتمانيَّة للبلاد، حيث تقدِّر الوكالة في تقريرها أنْ ينمو النَّاتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي بنَحْوِ 3.9 بالمئة في عام 2022م، مع التَّأكيد في التقرير على أنَّ الأصول السَّائلة الحكوميَّة ما زالت قويَّة وتقدَّر بنَحْوِ 47 بالمئة من النَّاتج المحلِّي الإجمالي في عام 2022م، وهو ما سيُعزِّز موقف السَّلطنة الاقتصادي عمومًا، ويجعلها أكثر جاذبيَّة للاستثمارات العالميَّة، فسرعة التطوُّر الذي شهده الاقتصاد الوطني مؤخرًا، لدرجة تدفع وكالة كبرى لتغيير توقُّعاتها وإبداء نظرة أكثر استقرارًا، هو تأكيد على أنَّنا سائرون في الطريق الصحيح.
ويبقى أنْ نأخذ تحذيرات هذه الوكالة في الاعتبار، فالوكالة حذَّرت في تقريرها من أنَّ التصنيف الائتماني قد يتأثَّر في حال تراخي تنفيذ الإجراءات الماليَّة أو حدوث عوامل غير متوقَّعة تؤدِّي إلى ارتفاع مستويات العجز المالي ومعدَّل الدَّيْن العامِّ بصورةٍ تتجاوز توقُّعات الوكالة.