وليد الزبيدي:
امرأة ألبانية تدعى (لومي) بطلة فيلم zana الذي حصل على جوائز عالمية، هذه المرأة الشابَّة لا تستطيع الإنجاب، وتدخل معتركا واسعا ومعقدا في حياتها، ترافقها الكوابيس تتداخل مع العادات الريفية في قرية بكوسوفو، تدور أحداث الفيلم في النصف الثاني من حقبة تسعينيات القرن العشرين، لتصل الذروة في السنتين الأخيرتين من ذلك العقد، حيث شهدت كوسوفو حربا طاحنة، بدأت بنزاعات مسلحة ومناوشات لتتسع دائرتها وتتحول إلى حرب طاحنة بين السكان الألبان والقوات اليوغسلافية، وشهدت هذه الحرب فظائع عديدة تركت ندباتها في ذاكرة الكثيرين وألقت بظلال عميقة في دواخلهم.
يعالج هذا الفيلم بشاعات الحرب من زاوية أخرى، نحن لا نشاهد القتال والدماء والجثث المتناثرة الأشلاء، لكن نلمس الروح المتشظّية في دواخل لومي بطلة الفيلم، وحجم الأهوال التي تخلِّفها الحروب والظلام الدامس الذي يحيط النفس المجروحة بسبب تلك الحرب، والنزيف النفسي الذي يرفض التوقف ولا يقبل حتى السكون، إذ يتصاعد الألم ويزداد تأثيره دون أن يكتشف المحيطون بها نوع الإصابة وطبيعة الجراح الغائرة في أعماقها.
فيلم ZANA من إخراج أنتونيتا كاستراتي وقد شاركت بكتابة القصَّة أيضا، وخلال رحلة ألم الزوجة لومي التي تعاني بشدَّة من كثرة الكوابيس، يضاف إلى ذلك محنتها في عدم الإنجاب وتداعيات ذلك وتأثيراته على علاقتها بزوجها والانعكاسات الكبيرة على مجمل ظروفها اليومية، ولإيجاد علاج لهذه المحنة تلجأ عائلة لومي إلى أصحاب الطرق الصوفية لعلاجها ولم يتوقفوا عند هذا الحدِّ، فقد اضطروا لزيارة السحرة والمشعوذين الذين يتحدثون عن تعرض لومي لـ"المس" وأن الجنَّ قد تلبسها وهو ما يقف وراء ما تعانيه، لكن المخرجة وبذكاء سينمائي فذ ترمي بومضات من خلال لقطات، موحية بأن الذي تعاني منه بطلة الفيلم أكبر من الذي يردده الآخرون ويعتقدون أنها حالة فردية قد تحصل للبعض في مختلف المجتمعات، ويلمس المشاهد حضورا على شكل ومضات للحرب، لكن لا يتم عرضها بصورة مباشرة، لتبقى المعاناة والتصورات محصورة في حيز محدد يذهب باتجاه ما يعتقده أهل لومي وحتى زوجها.
هل ثمة لعنة واحدة للحرب؟ أم أن اللعنات كثيرة ومتعددة وبألوان مختلفة؟ في فيلم (ZANA) نقف على أكوام من اللعنات المتشابهة والمتعددة الأشكال، لكن ألعن تلك اللعنات تلك التي تأبى مغادرة النفس وتعشش وتهيمن ولا يتوقف أتون سعير حربها.
كمZANA غاب من حياتنا تاركا السهام مغروزة في دواخلنا، وكم لومي تعيش بين ظهرانينا، وما يظهر للكثيرين أقل بكثير من المكنونات الحزينة وبالغة الألم.