د. جمال عبد العزيز أحمد:
.. وعلى هذا يكون إعرابها هي نفسها له محل، لكونها اسمًا موصولًا، فلو طُلِب إلى آحادنا إعرابُ(قد أفلح المؤمنون) لكان هناك صيغتان لهذا الإعراب، الأولى هي:(قد): حرف تحقيق، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، و(أفلح): فعل ماض مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب، و(المؤمنون):(أل): اسم موصول عام، مبني على السكون، في محل رفع فاعل، و(مؤمنون): صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب، وقد ترخَّص النحويون هنا بجعل صلة الموصول هنا مفردًا، والأصل أنها جملة، وأجازوا ذلك في هذا الموضع، والإعراب الثاني هو:(المؤمنون) كلها كلمة واحدة، وهي فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، والإعراب الأول أولى، وأدقُّ؛ لأن الإعرابَ الثانيَ عدَّها حرفًا، وليستْ كذلك، إنما هي من الأسماء الموصولة العامة التي تأخذ الوظائف النحوية المتعددة، ولها مكانُها في التركيب النحوي، وتأخذ كلَّ المواقعِ النحويةِ المتعددةِ وفق السياقات.
5 ـ (أل) للمح الأصل، أيْ: هي تلك التي تلمح أصلَ الصفة التي نُقِلَتْ منها إلى باب آخر، هو باب الْعَلَم، نحو قولنا:(جاء الضَّحَّاك)، فهي في الأصل صيغة مبالغة من الفعل (ضحك)، فالضَّحَّاك ـ في الأصل ـ هي صيغة مبالغة، تعني أنه يضحك كثيرًا كثيرًا، إلا أنها تحوَّلتِ الآنَ إلى علَم، فدخلتْ (أل)؛ لكي نلمح الأصل الذي تحولتْ منه في الأساس (وهو المبالغة في الفعل أو الحدث)، وقد يكون هذا العَلَم، أو الشخص الذي تسمى بهذا الاسم لا يضحك كثيرًا، وليس كثرة الضحك من شيمه، ولا صفاته، لكنها دخلت؛ لتلمح الأصل المنقول عنه، وكذا الْبَكَّاء، معناه الذي يبكي كثيرًا، ثم انتقلتْ من صيغة المبالغة إلى باب الأعلام، وقد يكون المُسَمَّى بها قليلَ البُكَاء، فليس بالضرورة أن يكون متلبِّسًا بالصفة التي نُقِلَ عنها، أو أُخِذَ منها، وهكذا الحارث، والمحمود، والحامد، والمظلوم، ونحوها من الكلمات؛ ومن ثَمَّ، فقد جاء عند شُرَّاح الألفية قولُهم عن هذا النوع من أنواع (أل) قولهم:(أل) التي للمح الأصل هي الداخلة على بعض الأعلام المنقولة مما يصلح لدخول (أل) عليه، والمراد بها لمحُ المعنى الذي قد كان نُقِل عنه العلمُ؛ ليكون هناك صلة بين المعنى القديم، والجديد؛ وذلك أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤدِّيه قبل أن يصير علمًا، مثل: منصور، فقد كان المعنى السابق يدل على معنى، وذات (النصرة ومَنْ وقعتْ عليه)، ولا دخل للعلمية بواحدٍ منهما، ثم صار بعد ذلك عَلَمًا جامدًا يدل على مسمًّى معين، ولا يدل على شيء من الوصف السابق، فإذا دخلت عليه (أل) أفادت ملاحظة ذلك المعنى القديم السابق، وأكثر ما تدخل (أل) هذه على الأعلام المنقولة من صفة، كقولك في (حارث): الحارث، أيْ: أنه مُسَمًّى بذلك تفاؤلًا بمعناه، وهو أنه يحرث، ويعيش، وفي (منصور): المنصور، وفي (حسن): الحسن، وفي (مبارك): المبارك، وقد تدخل على المنقول من مصدر، كقولك في (فضل): الفضل، وعلى المنقول من اسم عين، (أي: لها ذات، وحيِّز، وجثة، وتشغل حَيِّزًا في الفراغ)، كقولك في (نعمان): النعمان (وهو في الأصل من أسماء الدم)، والأظهر أن (أل) هذه زائدة عند التحقيق؛ لأنها لم تُفِدْ تعريفًا، وإنما أفادت معنًى آخرَ لا يستفاد بدونها، وهو لمح هذا الأصل، والراجح أن هذا الباب قياسي، لا سماعي، فهو ليس مقصورا على المسموع فقط، وإنما يجوز القياس عليه؛ لأن الغرض الذي من أجله زيدتِ اللامُ متجدِّد في كلِّ العصور، فلا يصحُّ قصره على ما سمع قديمًا، وعليه، فلا مانع من أن يقال في (صالح): الصالح. وفي (محمد): المحمد، ونحوها من الأعلام المنقول عنها، ولا نكتفي بالمسموع منها.