أحمد صبري:
تحوَّل الوجود الأميركي في العراق إلى قضية خلافية بين القائمين على إدارة الحكم في العراق، فالطرف الذي يطلق على نفسه محور المقاومة (حلفاء إيران) يطلب برحيل القوات الأميركية أو جدولة انسحابها لوقف استهدافه لهذه القوات، فيما يعتقد الطرف الرسمي ومعه قوى سياسية أن العراق ما زال بحاجة إلى الدعم الأميركي للقوات العراقية في عملية بسط سيطرتها في المحافظات التي تشهد نشاطا لداعش فيها.
وعلى الرغم من حساسية الموضوع وتداخل وتباين المواقف إزاءه، إلَّا أن المخفي في المشهد السياسي أن أغلب الأطراف في العراق، لا سيما بعض القوى المحسوبة على المكوِّن الشيعي، لا ترغب بانسحاب للقوات الأميركية في الوقت الحاضر، لكنها لا تستطيع أن تصرح بذلك بشكل علني خوفًا من رأي الشارع وإيران وحلفائها في العراق.
ويعتقد على نطاق واسع أنَّ الحاجة لبقاء القوات الأميركية ضرورية بسبب عدم زوال خطر "داعش" بشكل نهائي من داخل العراق ومن جواره، فضلا عن عدم استكمال القوات العراقية كلّ قدراتها وخصوصا في ما يتعلق بالغطاء الجوي والاستخبارات، كما يصرح بذلك الكثير من المسؤولين العسكريين. ويقابل هذه الحاجة لبقاء القوات الأميركية جبهة رافضة لها، وهي أجنحة أغلبها مسلحة وقريبة من إيران إلى حد التهديد باستهدافها.
واستنادا إلى تقرير أميركي صدر مؤخرا حول مغادرة القوات الأميركية العراق، يؤكد أنَّ هذه القوات تعمل على بقاء دائم من خلال عدة قواعد عسكرية منتشرة في غرب العراق. وما بين الرفض والدعوة للبقاء، يقف النظام السياسي الرسمي حائرا يحاول التهدئة وعدم التصعيد بموقف خجول بالتأكيد على أنَّ هناك خطة لخفض عدد قوات التحالف تدريجيًّا، لكنه يضيف أنَّ الخطر ما زال موجودا، وأن العراق بحاجة لتغطية منطقة كبيرة من الجو ملاصقة للحدود مع سوريا.
وبحسب مصادر متطابقة، يوجد في العراق ما يقرب من 5 آلاف جندي أميركي في العراق يساعدون في مهمة تقديم المشورة والمساعدة مع الجيش العراقي. وتتوزع القوات الأميركية في عدد من القواعد العسكرية، وهي قاعدة "فيكتوري" في مطار بغداد، وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين، وقاعدة أربيل، بالإضافة إلى عين الأسد غرب الأنبار، وهي قواعد استهدفت جميعا من مسلحي الحشد الشعبي.
وهذا التباين في موقفي الطرفين من مغادرة القوات الأميركية، يتصاعد في خضم الأزمة السياسية التي يشهدها العراق بعد نتائج الانتخابات، وهو إصرار القوى القريبة من "الحشد الشعبي" على رحيل تلك القوات.
وكانت بعض قوى "الحشد" كررت استهدافها القوات الأميركية في أكثر من مكان في العراق على الرغم من أن قدرات القوات العراقية محدودة، وبحاجة إلى دعم القوات الغربية خصوصا في مجال التصوير الجوي.
واصطراع القوى الفائزة والمعترضة على الانتخابات ينذر بمرحلة خطيرة قد تدخل العراق برمته في أتون الفوضى وعدم الاستقرار، لا سيما أن الطرفين متمسكان بموقفهما، فالتحالف الثلاثي بين الصدر والسنة والأكراد أثار حفيظة قوى الإطار الشيعي الذي يعتقدون أن هناك مخططا يرمي لإبعادهم عن المشهد السياسي، الأمر الذي دفعهم إلى خيار الثلث المعطل لعرقلة خيار الأغلبية السياسية التي يطالب بها التحالف الثلاثي.
وإزاء هذا الانسداد السياسي، فإن مصير الوجود الأميركي سيخضع هو الآخر إلى المساومة، ويعمق الخلاف بين أركان الطبقة السياسية التي باتت على موعد مع مشهد سياسي جديد قد يعيد إنتاج نظام سياسي جديد بعد احتضار النظام السياسي الحالي الذي أنتجه الاحتلال أثبتت السنوات الماضية أنه فاشل وعاجز عن تلبية حاجات العراقيين وتطلعاتهم بوطن آمن ومستقر تسوده العدالة ويحكمه القانون.