تعددت مجالات الكتابة لديه فترك إبداعا خالدا

عرض ـ حسام محمود:
كان أنيس منصور من أبرز الأدباء والمثقفين العرب الذى يعد موسوعة متنقلة وثرية فى الفكر والاطلاع والاشعاع الثقافى الذى يعزف على وتر مصداقية الحكايات والروايات، وقد استوعب الثقافة العربية بشكل موسع وهضمها بكافة اتجاهاتها وتياراتها فى مختلف العصور، ولعل أبرز ما يتميز به أدب أنيس منصور هو سلاسة أسلوبه الشيق المليء بالمفاجآت والقصص والأخبار عن البلدان المختلفة، وكانت له قدرة فائقة على الكشف عن مجاهل النفس الانسانية، وتصوير همسات وجدان الشعوب وسرائر قلوب الجنسيات المختلفة، وبرع فى دقة الملاحظة فى رحلاته الأدبية العابرة للمحيطات والبحار حتى لقب بـ"سندباد العصر" الذى يغوص فى مختلف الثقافات الانسانية، ويقدم خلاصتها بأسلوب شيق وعميق.

موسوعة رحالة
كانت الكتابة هى حياة أنيس منصور والهواء الذى يتنفسه، كانت متعته الوحيدة هى أن ينفرد بقلمه وأوراقه حتى نسى أنه يعيش فى شقة تطل على نيل مصر الساحر، فنسى نفسه وحياته، وكسبت الصحافة والأدب ثروة نفيسة من المؤلفات والدراسات التى ستبقى شاهدة على عطاء زاخر لسندباد العصر وعبقريته النافذة. كانت رحلاته لافتة للنظر جدا، حيث استحوذت على اهتمامات القراء بشدة فى مشارق الأرض ومغاربها، حيث كان المطلعون مبهورين بكتاباته الجريئة سواء فى الكتب أو المجلدات او الصحافة خاصة كتاباته بعواميد الصحف اليومية.
وبعد صدور كتابه الشهير جدا (حول العالم فى 200 يوم)، وحصوله على العديد من الجوائز المصرية والتقدير العربي، انبرى كبار الكتاب العرب فى الإشادة بما وصل إليه من تفرد فى الثقافة والكتابة، خاصة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى ومحمود تيمور، لدرجة تتويج منصور من قبل الادباء والنقاد كخليفة لابن بطوطة الرحالة الشهير.
وتمتعت كتابات أنيس منصور بمعارك أدبية شهيرة حول الوجودية والعالم، وما يدور فيه من أحداث وتناقضات، ومسألة وجود الأشباح والقوى الخفية وتحضير الأرواح التى يعتقد فيها البعض وينكرها آخرون، فكانت مساجلاته الصحفية تجذب العيان بطرافة وخفة، ووجهة نظر جديدة بالنسبة للكتاب التقليديين. وكان من يجلس مع منصور يستشعر روح الود والألفة بأسلوبه اللطيف غير المكترث بالماديات أو المظهرية. واستغرق فى الكتابات فى الأدب السياسى والتحليلات لسنوات من حياته لكنه لم ينس أبدا الأدب والفلسفة والفكر وابداعاته فى مجالات الثقافة التى جعلها نافذة تجوب بالعقول فى دول العالم . رغم أنه كان موسوعة لمعرفى الشعوب إلا أنه حرص على هضم الثقافات العالمية من خلال اطلاعه على غالبية أشهر المؤلفات الغربية بجانب استيعابه للثقافة العربية قديما وحديثا . ثم تفرد بلون خاص تميز به، واتسمت به كتاباته وفلسفته العبقرية فى تصوير ما لم يره الكثيرون من خلال اسلوب شيق كأن من يقرأ له يطوف البلدان والأقطار ويمعن النظر فى وجوه مواطنيها، ويتعامل مع شعوب مختلفة بفكره المستنير، وعبقريته النافذة للعقول والقلوب حتى لقب بالسندباد لكونه ينقل الأحداث والأساطير والثقافات الخاصة بالشعوب ليغترف منها القراء فكرا شيقا، وأفكارا واعدة، ومبادئ مبشرة، وسياسات جديدة.

بانوراما أدبية
قدم أنيس منصور للمثقفين العرب والقراء بانوراما من مختلف الاتجاهات الأدبية كسلة مثمرة لا تنضب، فهى من أجمل ما ترك من فكر خصب فى أدب الوجدان والعاطفة وأدب القصة والمسرح، بجانب الأدب الفلسفى والأدب السياسى، وما يسمى بتأديب التاريخ، وأخيرا أدب المقالة الصحفية، وهو فى كل هذه الألوان الأدبية تبدو ثقافته الموسوعية الغزيرة المشبعة بدقة ملاحظاته وبمصداقية ما يروى ويكتب ويقص. إن عالم أنيس منصور يحتاج لعدة دراسات وكتب لرحابة هذا العالم وتنوعه وثرائه، ولم يجد البشر بدا من استخدام منهجه فى نقل أدب الرحلات الذى تفرد به عبر التراجم والسير الذى استخدمها فى كتبه السابقة، واعتنى بها من خلال المنهج النفسى المعبر عن ثقافات الشعوب المختلفة، والتى تنقل بين رحابها من أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين وأسترايا، بجانب كافة مناطق العالم لينقل صورة مضيئة من فكر مستنير وعقلانى حول مكنونات وأسرار فكر كل شعب على حدة، فمزج منصور الثقافات بفكره من خلال ابداعات ستبقى رحلات مضيئة بقلمه النابض بالمصداقية. وكان منصور يصف نفسه دائما بأنه قلعة لها ألف باب، ومفتاح شخصيته تكون من خلال رحلاته وسجالاته وكتاباته وفكره الغزير. إن القلق النفسى والفلسفى هو الذى أخرج أدب أنيس منصور من بوتقة محرابه الثقافى الخاص إلى نور النشر واطلاع القراء، وهو الذى دفعه لأن يطير ويتنقل بين الثقافات وفى مختلف ربوع العالم ليشغل نفسه، وليفرز نتاج جولاته وسياحته على الورق بأسلوب فريد صعب تكراره، فمنصور كان يشعر بمتعة الموهبة، وهو ينتقل وينقل صورة كل بلد وشعب ومنطقة . لقد رحل أنيس منصور عن عالم الحياة لكن مؤلفاته تظل شاهدة على أسطورة الأديب والصحفى والرحالة والمترجم والفيلسوف وسندباد العصر بلا منازع، فمؤلفاته مليئة بالطرائف والأحداث مع أعلام الأدب والفكر والسياسة . ولكن أكثر ما رواه بعض ذكرياته مع الزعيم الراحل أنور السادات قاهر إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، ثم مشواره السرى عن أدق أسرار النصر المصرى العربى العزيز فى تلك الحرب على العدو الإسرائيلى، ثم انبرى فى التواصل مع عمالقة الأدب والفكر والفن والسياسة، من خلال صفحات الجرائد والمجلات، وهو ما يعد تراثا زاخرا يأبى الزوال حتى رغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال .
بقي أن نعرف أن كتاب "سندباد العرص .. أنيس منصور" إعداد وتأليف الأديب محمد رضوان، عن دار الجمهورية للصحافة بالقاهرة، من مجموعة "كتاب الجمهورية" في 235 صفحة.