د. سعدون بن حسين الحمداني:
ترتبط المدارس الدبلوماسية المحنكة والحرفية بالمعاهد والمراكز المتخصصة بالتغذية؛ لِمَا لها أهمية كبيرة على صحة الإنسان بصورة عامة وعلى الدبلوماسي بصورة خاصة؛ لأنه ليس من المستحسن أن يظهر الدبلوماسي بجميع الدرجات بجسم مترهل ويعاني من السمنة والذي يؤثر سلبًا على نشاطه وطبيعة التفكير، حيث يحتاج الإنسان البالغ كحد أقصى يوميًّا (2200) سعرة حرارية، حيث يستطيع أن يحصل على هذه الطاقة أو هذه السعرات من كميات معتدلة أو قليلة من الأغذية التي نتناولها يوميًّا.
وأثبتت التجربة العلمية بأن (600) سعرة حرارية كافية ليكون جسم الإنسان صحيحًا وقادرًا على القيام بوظائفه المختلفة العادية.
لذلك نرى إتيكيت الواجبات الغذائية هو التأكيد على عدم الإسراف وتناول كمية معتدلة من الطعام، بالإضافة إلى ترتيب أوقات الأكل، وكميته، وكيفيته، فصحة الإنسان من أكثر الأمور ضرورةً في حياته، وأكثرها التصاقًا به في جميع أوقاته، لذلك كان لا بُدَّ من وضع القواعد التي تساعد الإنسان على أن يكون كاملًا في جسده وعقله، والحِمية أن يحتمي الإنسان من الطعام والشراب، سليمًا كان أم مريضًا، وإن كانت تطلق في حقِّ المريض أكثر، إلَّا أن السليم يجب أن يتَّبعها أيضًا، وتحث المراكز الصحية العالمية بتجنب الأكل بين وجبات الطعام وبإدخال طعامٍ على طعامٍ آخر، واختيار أفضل أنواع الطعام، وهذا ما تميزت فيه المدارس اليابانية والصينية على حدٍّ سواء، حيث نلاحظ معدل العمر أكثر من 85 سنة.
المدرسة الإسلامية تحدَّثت عن هذا الموضوع، وتناولته بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإنَّ الطعام والأشربة استخدمها القرآن في كثير من المواضع، وكان رسولنا الكريم (صلَّى الله عليه وسلَّم) يحث على هذا النسق الراقي في الحياة والاقتصاد فيه وعدم التبذير بأصناف الأكل والأشربة، فقد تطرق إلى إتيكيت الأكل والأشربة في كثير من الآيات الكريمة، فقد وردت لفظة (طعام) في القرآن (48) مرة، وذكرت لفظة (أكل) (72) مرة، وجاءت مع ذكر الزروع والفواكه (20) مرة، ومع الفواكه واللحوم (11) مرة، وهو ما يؤكد المكانة الكبيرة التي تحظى بها التغذية في الإسلام، أما لفظة (شراب) فقد ذكرت (37) مرة.
ذكرت المدرسة الإسلامية الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام، قال الله تعالى:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا..) (الأعراف ـ 31)، وهو ما يطبق بالمدارس الأجنبية بمختلف فروعها، حيث الأكل والشرب بكميات معتدلة ومتنوعة من الصنفين (الطعام والأشربة) وبسيطة بعكس ما هو موجود عندنا تحت مسميات الكرم والعادات والتقاليد، ومع كل الأسف فإنَّ سلة المهملات في بيوتنا مليئة بالأكل المتبقي، قال تعالى:(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غضبي..) (طه ـ 81)، وهو تنبيه إلهي لنا بعدم الإسراف في الأكل وتحضير كميات كبيرة من دون داعٍ لهذا الإسراف تحت مسميات الكرم وعادات القبيلة ورمي المتبقي منه في سلة المهملات.
لقد ذكر القرآن الكريم الماء الذي له أهمية كبيرة للإنسان، ويشكِّل حوالي أكثر من (70%) من وزن الإنسان، ووردت كلمة (ماء) في القرآن الكريم نكرة ومعرفة أكثر من (50) مرة لأهميتها، وجعل الأكل مقرونًا مع الشرب في عدة آيات، قال تعالى:(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض..) (البقرة ـ 186)، وحث الإسلام على شرب الماء؛ لِمَا له من تأثير إيجابي على صحة الإنسان.
كما حثت المدرسة الإسلامية الناس على أهمية التنويع والاعتدال في الأكل، ولفتت عدة آياتٍ الأنظار إلى أصناف من الطعام والشراب؛ لأهميتها الغذائية والطبية، قال تعالى:(فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا) (البقرة ـ 61)، وهي أصناف الطعام المرغوبة في المجتمع منذ قديم الزمان، والتنوع الغذائي قد أوضحه الإسلام وبيَّن مدى فائدته للناس والالتزام به، سواء على مستوى العائلة أم الضيوف أم الأنشطة الرسمية، وهو التنوع في الأكل لفائدته الكبرى وليس البقاء على نوع واحد، فالمقصود بالتفضيل هنا هو التفضيل بالمذاق واللون، قال تعالى:(كلوا واشربوا من رزق الله..) (البقرة ـ 60)، وهو درس لنا على أهمية الاثنين معًا (الأكل والشرب) ولا يجوز الفصل بينهما ليضع الأكل بالمرتبة الأولى وبعده الماء.
وذكرت المدرسة الإسلامية الفاكهة، حيث نلاحظ الغرب يركزون على هذه الناحية؛ لأن الفاكهة تعمل على قلوية الجسم، أما اللحوم فتعمل على حمضية الجسم، فكأننا قد أخذنا استعداداتنا الكافية للاستفادة من أكل اللحم من دون حصول أي ضرر للجسم، ثم إن الفاكهة سريعة الامتصاص في الجسم، قال الله تعالى:(وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ..) (النحل ـ 67) ولكن الإسلام قد سبقهم بهذه المعلومات بأكثر من 1400 سنة.
أما عن كيفية تناول الطعام، فلقد علمنا الرسول الكريم كيفية الأكل واحترام الطعام، فقال (صلى الله عليه وسلم):(كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا)، وقَالَ:(إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلاَ يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْن وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاَهَا).
وفي الختام.. فإنَّ عنوان شهر رمضان المبارك هو العبادة، وعلينا جمعيًّا الاقتداء بالسنة النبوية الكريمة والاعتدال بالأكل؛ لأن كثرة الأكل يقود الإنسان للنوم والتراخي عن أداء فرائض العبادات، لذلك ينصح علماء التغذية بالأكل المعتدل والمتنوع وبكميات قليلة وبأوقات متفاوتة.