ناصر بن سالم اليحمدي:
استضافت مسقط العامرة ممثلة في وزارة التراث والسياحة منذ أيام "أسبوع السفر العالمي.. الشرق الأوسط" والذي تم من خلاله بحث "سبل تعزيز الشراكة والتواصل بين شركات السفر والسياحة العالمية ونظيراتها في السلطنة بما في ذلك المنشآت الفندقية، بالإضافة إلى مقدمي التجارب السياحية باستخدام طرق التواصل المبتكرة بمشاركة 70 مختصا في مجال السياحة من مختلف دول العالم و38 مؤسسة سياحية عُمانية ومنشأة فندقية" وبما يتيح تسهيل العلاقات التجارية طويلة الأمد وتبادل الخبرات بين الشركات المحلية والعالمية.
لا يخفى على أحد ما تمتلكه عُماننا الحبيبة من تنوع بيئي وجغرافي أهَّلها لتكون قبلة سياحية تجذب من يرغب في التمتع بالطبيعة الساحرة الخلابة، والمناخ المعتدل، والآثار التاريخية والحضارة الأصيلة، والمحميات الطبيعية التي تحتوي على الحيوانات والنباتات النادرة التي ليس لها مثيل في العالم.. لذلك قامت حكومتنا الرشيدة بتوجيهات قيادتنا الحكيمة بالحفاظ على البيئة وتنمية المقوِّمات السياحية والاقتصادية وتطوير البنية التحتية في السلطنة، وغير ذلك مما ينهض بالقطاع السياحي إلى أن أدرج اسمها على قائمة الدول الجاذبة للسياح، وأشادت العديد من التقارير الدولية بالمجهودات التي تصب في هذا الاتجاه، وأشارت إلى أن المقوِّمات السياحية العُمانية في نمو مستدام في ضوء الاهتمام المتزايد بالدولة كوجهة سياحية.. فالبنية التحتية والمرافق والخدمات المختلفة في تطور مستمر ووسائل المواصلات والاتصالات وصلت لمناطق كثيرة لم تكن تصل إليها.. والمطارات والفنادق والمنشآت الضخمة على أهبة الاستعداد في انتظار السائحين، بالإضافة إلى أن عددها في تزايد مستمر.
لا شك أن السياحة فن يجب إتقانه حتى نستطيع جذب السائحين، فلا يكفي أن نمتلك مقوِّمات السياحة، بل الأهم هو كيفية عرضها والترويج لها.. فكم من دولة تمتلك المقوِّمات الحضارية والتاريخية المهمة، إلا أن أحدا لا يسمع عنها شيئا.. بينما في المقابل نجد أن هناك بلدانا حديثة النشأة إلا أن السائحين يتهافتون عليها لما تضمه من معالم يتلهفون لرؤيتها بعد التسويق لها بشكل جيد وشيق.. والجميع يعلم أن الخبرة تأتي مع الأيام، إلا أننا نتمنى أن يستفيد المسؤولون من تجارب الدول الأخرى حتى نحقق نموا سريعا ومستداما، فالدولة تعول على هذا القطاع المهم الكثير لتنمية الاقتصاد باعتباره ركيزة من ركائز الدخل الوطني.. فالسياحة صناعة يجب أن نمتلك ناصيتها حتى تحقق الهدف المرجو منها.
إن بلادنا الحبيبة تمتلك كنوزا يجب أن نحرص على صيانتها وتنميتها وتطويرها وتسليط الضوء على مكنوناتها، وصقل ما تتميز به من جماليات سياحية.. فالحمد لله بلادنا تمتلك مقوِّمات السياحة العالمية بكافة أنواعها الطبيعية والتاريخية والبيئية وسياحة المؤتمرات والاستشفاء والسياحة الترفيهية وسياحة المغامرات وغيرها، بالإضافة إلى طبيعة تستقطب السائح على مدار العام مهما كانت ميوله وتوجُّهاته وذوقه، فهي تتميز بالتنوع الذي ليس له مثيل في أي دولة أخرى، وهو ما يجعل القطاع السياحي من الأهمية بمكان.
حفظ الله وطننا الحبيب وأدام عليه طبيعته الخلابة، وأعان المسؤولين على النهوض بالقطاع السياحي، ووفق كل من يسهم في رفع شأنه.
* * *
نعيش هذه الأيام فرحة الليالي التي تمتلئ بالروحانيات مع قدوم شهر رمضان المبارك بعد أن عادت فيه الحياة من جديد إلى طبيعتها وسابق عهدها، خصوصا المساجد التي فتحت أبوابها المغلقة على مدار عامين بسبب جائحة كورونا لتستقبل المصلين من جديد لأداء صلاة التراويح وغيرها من بقية الصلوات ليتذوق المسلمون حلاوة الشهر، ويعيشوا أجواءه ومظاهره الجميلة التي لطالما اشتاقوا لها.. كما أن التقاليد والقِيَم الأصيلة التي ورثناها عبر الأجيال وتهفو إليها نفوسنا تعود إلينا بعودة رمضان، وهو ما يعطي جوا روحانيا ومذاقا خاصا لهذا الشهر عن سائر الشهور مثل تجمع الأسرة الكبيرة حول مائدة واحدة بعد أن شغلت لقمة العيش ومشاكل الحياة جميع أفرادها عن هذا التجمع فتباعدوا عن بعضهم البعض وصارت مقابلاتهم لا تكون إلا في المناسبات.
لا شك أن الذكريات تتسابق في ذهن كل منا عندما تهل عليه نفحات الشهر الكريم رغم طغيان بصمات العولمة التي أصابت كل مجال ومكان فأفسدت بعض المظاهر الأصيلة التي يتمنى الاحتفاظ بها مثل استفحال المرض الاستهلاكي وزرع آفة التبذير وحب التملك والتكالب على تخزين الأطعمة والانشغال أمام الدراما الرمضانية ليل نهار ووسائل التكنولوجيا الأخرى كالهاتف النقال والإنترنت وغيرها ليتحول الشهر الفضيل من شهر روحانيات وحصد الحسنات والشعور بالفقراء والمساكين وصلة الرحم لشهر ترفيه وأكل وحصد سيئات.
إن شهر رمضان مليء بالنفحات التي تتيح للإنسان إعادة بناء نفسه من جديد، كما أنه يجسد مفهوم الوحدة التي يحدثها الصوم بين المسلمين عندما يصومون ويفطرون في وقت واحد.. إلى جانب أنه يعرف المسلم قيمة الإرادة وقوة العزيمة والصبر والتحمل والتضحية فيفكر كل إنسان في مصلحة أمته ووطنه ولا ينظر من منظاره الضيق على مصلحته الشخصية فقط أو مصلحة جماعته وحزبه.. فالمسلم عادة ما يستحضر قوى الخير بداخله ويستجمع كافة الخصال الحميدة خلال الشهر المبارك أملا في أن يتقبل منه الله سبحانه وتعالى صالح أعماله ويحط عنه خطاياه، فهو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. لذا فإن رمضان فرصة ذهبية للتصالح بين المتخاصمين والتغاضي عن أسباب الخلاف مهما كانت.
ورغم أن رمضان يعد بمثابة المدرسة التي يجب أن يحرص المسلم على أن يتخرج فيها وقد تسلح بزاد الإيمان الذي يصلح له دنياه وأخراه، إلا أنه للأسف تحوَّل لموسم تجاري بحت يتكسب من ورائه أصحاب الفضائيات الملايين من الإعلانات والبرامج والمسلسلات التي تلهي المسلم أثناء التهامه الطعام بعد الإفطار، ولا عزاء للفقراء والمساكين الذين يتحرقون شوقا للشهر الفضيل كي ينالوا صدقات وزكوات تقيهم شر السؤال طوال العام.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يخرج كل مسلم من هذا الشهر الفضيل وقد تزود بخير زاد وهو الإيمان والتقوى والبر والإحسان.. وأن يحسن استغلال الشهر المبارك فيما يعود على بلادنا بالتنمية كما يعود علينا بالأجر العظيم.. أنعم الله عليكم وعلينا جميعا ببلوغ ليلة القدر وإدراكها.. وتقبل من جميع المسلمين الصيام ووهبهم المغفرة والرحمة.. إنه نعم المولى ونعم المجيب.