[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لأن الطبيعة البشرية تنزع نحو السلام، وتلتحم معه، فأن طبيعتها ايضا تتنافر مع العنف وتتقاطع مع الحرب، لكن زلازل الحياة تعصف بهذه القواعد الإنسانية الثابتة، فتجد من الناس ينزع نحو العنف وثمة من يمجد بالحروب حتى إذا اكتوى بنارها، ويسارع لتسجيل خسائره ضمن قائمة التضحيات دون أن يدقق في فحوى ما سار عليه واقتنع به.
يقول دستور اليونسكو، أن الحروب تبدأ في العقول، لذلك لا بد من صنع السلام في العقول ايضا، ويقول الحائز على جائزة نوبل في الاداب اكتافيو باث ، إذا خلا رأس السياسي من الشعر تحوّل إلى طاغية.
المسافة بين الحرب والسلم تقترب كثيرا من بعضها البعض، لكنها سرعان ما تبتعد إلى مسافات بعيدة جدا، فيحضر العنف بالوسائل الخشنة دون منازع، وتتصادم الرؤى والافكار لتسير في قافلة وحشية، لا احد يستطيع التكهن بنتائجها وأين تكون نهايتها.
لو احصينا اعداد الذين ذمّوا الحروب عبر التاريخ لما استطاع احد الوصول إلى احصائية دقيقة لكثرة القادحين بالحروب والناقدين لها والمعترضين على داعتها، فالقصص الفردية والمواقف الجماعية ورفض الهيئات والمنظمات للحروب لن تتوقف عبر التاريخ، بالمقابل فأن هناك اعدادا هائلة من مدّاحي قادة الحروب، فالشعراء يقدمون ما تأتي بها قرائحهم من ابداع لتحية قادة الحروب ودعاتها وتشجيعهم والنفخ في اذانهم ليل نهار، وعلى الطرف القريب فأن هؤلاء القادة سرعان ما تطرب نفوسهم ويعطوا بجزالة لا مثيل لها للشعراء والمداحين والمطربين والفنانين الذين يدفعون صوب الحروب والاقتتال.
حفلات مديح الحروب تبدأ ولا تنتهي، لكن الكثير من الذين يصبوا الزيت على النار، يتراجعون إما بانتهاء الحرب أو بغياب القائمين عليها لأي سبب كان، وقد تجد هؤلاء في مقدمة الناقمين على حقبة الحرب، لكن بعد أن فات الاوان واخذ الحريق ما يستطيع من الناس بين غريق وغائب، وأنين الكثيرين لم يتوقف.
عندما انتهى الكاتب الكبير ليو تولستوي من كتابة روايته الشهيرة " الحرب والسلام" التي تناولت الحياة السياسية في موسكو في القرن التاسع عشر، ربما اعتقد أنها ستمنع وقوع الحروب.
يرى البعض أن ما قدمه هذا الروائي لم يخدم المجتمعات بشيء، لأن القرن العشرين حيث قرأ هذه الرواية الملايين، فأنها لم تمنع الدول من شنّ الحروب فكان القرن الاكثر دموية، وسقط في الحرب الاولى فقط ستة عشر مليون قتيل وعشرون مليون جريح ومعاق، لكن قد لا يعرف الكثيرون أن تولستوي قد أثر بقوة في افكار غاندي، الذي قدّم خطوات السلام على غيرها ما جنب شعبه وشعوب اخرى الكثير من المأسي والدماء.