وليد الزبيدي:
بينما يتجه العالم صوب تجديد وتحديث التعاملات المصرفية، تتردى أوضاع المصارف في العراق الذي بدأ فيه النشاط المصرفي أواخر القرن التاسع عشر، وشهد النصف الأول من القرن العشرين نشاطا واضحا في هذا القطاع، حيث تم افتتاح فروع للعديد من المصارف الدولية، العثمانية والشاهنشاهية والبريطانية وغيرها، في حين تأسس مصرف الرافدين في بداية أربعينيات القرن العشرين.
عدة أسباب حفزتني للكتابة عن القطاع المصرفي في العراق، منها لفت انتباهي خلال زيارة لأحد المصارف ندرة وجود مراجعين للمصرف، وسبق لي أن اطلعت على معلومة تقول: إن هناك خمسة وسبعين مصرفا في العراق، لكن نشاط هذه المصارف في غاية الضعف. وقبل أن نتطرق لجوانب هذه القضيَّة الشائكة لا بُدَّ من التأكيد على أن العراقيين نادرا ما يودعون أموالهم في المصارف، وحصل ذلك في أصعب الظروف الأمنية المتردية بعد الغزو والاحتلال الأميركي في العام 2003 والسنوات الساخنة اللاحقة، ويفضل العراقيون تعرض أموالهم للمخاطر على المجازفة بإيداعها في المصارف، كما أن أعداد الأشخاص الذين يستخدمون بطاقات الفيزا والبطاقات الائتمانية ضئيلة جدا، رغم أن العراق كان من أوائل الدول التي جلبت جهاز (ATM)، وتم وضعه في بناية البنك المركزي العراقي في شارع المصارف بجانب الرصافة من بغداد، وأعتقد حصل ذلك في سبعينيات القرن العشرين، أما في الوقت الحالي فإن استخدام السحب الآلي النقدي والدفع الإلكتروني ما زال يحبو أو أقل من ذلك. علما أن البنك المركزي العراقي قد تأسس في العهد الملكي تحديدا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1946، وشهد النصف الثاني توسعا في الأعمال المصرفية وفي إطلاق المصارف حسب القطاعات العقارية والصناعية والتجارية والزراعية، لكن، وبدلا من الارتقاء بالعمل المصرفي فقد شهد تراجعا كبيرا منذ بداية الحصار على العراق في العام 1990، ثم دخل حقبة السبات والانتكاسات بعد الاحتلال الأميركي منذ العام 2003 وحتى الآن.
من أهم أسباب عزوف العراقيين عن التعامل مع المصارف والبنوك إلا للضرورة الملحَّة، عدم الثقة بهذه المصارف خصوصا الأهلية منها، وحصل أن أودع الناس مبالغ مالية في المصارف ثم رفضت هذه المصرف السماح لأصحاب الأموال بسحبها، وحصلت مساومات كثيرة وتكبد الملايين خسائر فادحة.
لكن مثل هذه الأحداث يتم تجاوزها عندما تكون هناك مؤسسات رصينة لا تتحكم فيها الأحزاب وينخرها الفساد، وأبلغ مثال على ذلك الذي حصل لمئات البنوك في أميركا والعالم في الأزمة المالية في خريف 2008، لكن تم تجاوز تلك الأزمة، أما في العراق فإن المعضلة تزداد صعوبة وتتجذر أكثر وتتعمق في كل يوم.
وترى الخبيرة المصرفية العراقية آلاء العبيدي أن الظروف التي يعيشها العراق وحالة القلق وضبابية المشهد السياسي، تنعكس بقوَّة على الأداء المالي بصورة عامة والمصرفي على وجه الخصوص.
للأسف عدم وجود مؤسسات مصرفية موثوقة ورصينة يسهم بقوة في توقف التنمية بكل أنواعها ويزيد من تدهور بنية الدولة والمجتمع.