إبراهيم بدوي:
مرة جديدة تؤكد دولة الاحتلال الإسرائيلي نياتها الخبيثة وعدوانها السافر على الشعب الفلسطيني الأعزل، ومحاولات الاعتداء المتكررة على الأراضي السورية، فطبيعة هذا النظام العنصري تظهر قبحها المستتر، خصوصا عندما ينشغل العالم بقضية أخرى تعصف بكيانه، مثل الحرب الروسية ـ الأوكرانية، فقديما استغلت هذه الدولة القائمة بالاحتلال الحرب العالمية الأولى للحصول على وعد بلفور، ولعبت على كافة الحبال في الحرب العالمية الثانية، لتكون النتيجة الاعتراف الظالم بإقامة هذا الكيان واعتباره دولة، وتستغل مرة أخرى العدوان البريطاني الفرنسي على مصر، لفرض سياستها الاستعمارية، وتستغل الحرب الباردة لشن عدوان يونيو 1967، وهكذا استمرت هذه الدولة الغاصبة، على مدار العقود الأخيرة، في السعي أثناء الأزمات لترسيخ وجودها، ومحاولة سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وممارسة كافة أنواع القمع والإرهاب لإسكات الأصوات المعارضة لعدوانها المستمر المتواصل على مدى ثمانية عقود مضت.
ولعل ما تفعله تلك الدولة، الضاربة بكافة العهود والمواثيق الدولية عرض الحائط، ليس بجديد؛ فالتصعيد الإسرائيلي المتواصل يندرج في إطار محاولات دولة الاحتلال استبدال الحل السياسي التفاوضي للصراع، بحلول أخرى، تعكس حقيقة غياب شريك السلام الإسرائيلي، وتنكر حقوق الشعب الفلسطيني السياسية وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وتجسيد دولته المستقلة، وسط صمت عالمي سبق الانشغال بالصراع الأوكراني الروسي، وخنوع لآلة الإرهاب الإسرائيلية التي تؤكد يوما بعد يوم غياب المبادئ الإنسانية الراسخة عن كيانها الإرهابي الغاصب، فلم تكتفِ بعدوانها المتواصل على الفلسطينيين والذي طال كل ما هو فلسطيني، بل شرعت في إحداث توتر جديد مع سوريا، حيث قالت وكالة الأنباء السورية “سانا”، مساء أمس السبت، إن الدفاعات الجوية السورية تصدت لعدوان إسرائيلي من تجاه شمال لبنان استهدف نقاطا عدة في المنطقة الوسطى.
إن ما يشهده العالم من أزمات سياسية واقتصادية متوالية يحتاج الوقوف بحزم تجاه العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، فالعالم ليس بحاجة لأزمة جديدة، تطيح بمقدراته، فالوضع العالمي أصبح في منتهى الدقة، ولا يحتاج مزيدا من التوتر في منطقة تقع في وسط العالم، لذا يجب على حلفاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، الوقوف ولو مرة بحزم ضد تلك الأطماع، ليس من منطلق القِيم الإنسانية، بل من منطلق المصلحة، فجميع سكان هذا الكوكب التعيس أصبحوا في مهب الريح، فالأزمات والصراعات أثرت بشكل كبير على مقدرات جميع الدول، وكافة بني البشر، لذا فالوقوف في وجه الأطماع الصهيونية أضحى فرض عين، ليس إنقاذا لحقوق أبناء فلسطين وحسب، بل لحماية العالم من تداعيات صراع جديد يقع في منطقة تعد قلب العالم سياسيا واقتصاديا، وتأثير الأزمات بها سيكون مردودها أشد بكثير من تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية.
فالإدانة الفلسطينية، التي خرجت من خارجية دولة فلسطين، ليست مجرد كلمات تحمل استغاثة من العالم الصامت، لكنها رسالة تحذير، تدين التصعيد الإسرائيلي المتعمد ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته ومنازله ومقدساته، سواء من خلال عمليات الاقتحام والاجتياحات العنيفة التي تقوم بها قوات الاحتلال لمراكز المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، كما حصل في اقتحام مخيم جنين، وأدى إلى استشهاد شاب فلسطيني، وتحمل الحكومة الإسرائيلية برئاسة المتطرف نفتالي بينيت المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج وتداعيات هذا التصعيد على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، وترى أن ممارسات دولة الاحتلال العدوانية تدفع باتجاه تحويل الصراع من سياسي إلى ديني، خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار عمليات أسرلة وتهويد القدس وقمع مواطنيها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية خلال شهر رمضان، وفرض المزيد من التضييقات التي تحول دون وصول الفلسطينين إلى مقدساتهم، فهذا التحذير الفلسطيني يسعى لمنع انفلات الأمور، ليس في الأراضي الفلسطينية وحسب، لكنها ستكون حربا ذات صبغة دينية، تعصف بمقدرات المنطقة والعالم، فعلى القوى الفاعلة عالميا الإصغاء بعناية لهذا التحذير والعمل على فرض الحل السياسي على كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأن يكون ذلك على قاعدة الشرعية الدولية وقراراتها، وعدم مساندة ذاك الكيان الصهيوني، بالفعل أو الصمت والتجاهل عن جرائمه.
