د ـ أحمد بن علي المعشني :
قرأت تحقيقًا صحفيًّا حرره مراسل جريدة (عمان) في ولاية طاقة وهو الأخ أحمد بن عامر أجهام المعشني، ويتضمن حوارًا مع الشيخ سعيد بن أحمد عولي المعشني من سكان ولاية طاقة تجاوز عمره المائة عام، ولا يزال يتمتع بصحة جيدة تمكنه من السير إلى المسجد لتأدية الفروض وتتيح له ارتياد مركز الفرق الوطنية الموجود في التجمع السكاني لمنطقته، ولا تزال ذاكرته نشيطة، الأمر الذي مكنه من استدعاء ذكريات صوم رمضان أيام شظف العيش.
شهد الحرب العالمية الثانية ومر بأحوال وظروف وتقلبات كثيرة، وكان الناس بالرغم من كل تلك الظروف يصومون رمضان بالرغم مما يصاحبه من مشقة وجوع وعطش.
ومن بين ذكرياته الشيقة أنه وأسرته كانوا يصومون ويفطرون مساء على بعض الثمار البرية، ولم تكن الماشية في بعض الأوقات تدرُّ حليبًا وخصوصًا أيام الصيف، حيث يبدأ الجدب والقحط ما بين مارس إلى نهاية يونيو من كل عام، هذه فترة تصادف فصل الصيف الذي يعاني فيه السكان وتهزل الماشية فلا مطر ولا موسم صيد ولا زراعة.
ولكن بالرغم من كل ذلك كان الناس متكيفين مع تلك الظروف، يصومون الساعات الطويلة يلفحهم حر الصيف وهم يكدحون في أمور حياتهم، ويعملون كل شيء بأيديهم، يبنون بيوتهم المتواضعة جماعيًّا، ويرعون الماشية، ويبحثون عن الثمار البرية التي يقيمون به أودهم ويستعينون بها على الحياة، بل يصل الأمر بهم أحيانًا أن يفطروا على قليل من التراب حتى يحللوا الإفطار، ويشربوا الماء، وينووا الصيام لليوم الذي يلي يومهم.
وكان كثير من الناس يصومون شهر شوال كاملًا بعد رمضان، وبعضهم كان يصوم شهري رجب وشعبان كاملين، وكان البعض الآخر يسير مسافات طويلة لتأدية صلاة الجمعة في مساجد المدينة، في طاقة وصلالة ومرباط، بل كان آخرون يذهبون كل ليلة لتأدية صلاة التراويح. وكانت تلك أحوال الناس وظروفهم، لكنها لم تمنعهم من البهجة والفرحة، فكانوا يتسلون بالغناء ويسمرون على الحكايات، بينما كان الأطفال يلعبون ويمرحون بصورة فطرية جميلة، لم يكن الناس يشتكون أو يتذمرون.
كانت الحياة بسيطة، يفكر الناس بما سينقل إليهم الموسم، ففي فصل الصيف كانوا يحلمون بحلول الخريف ونزول المطر، وفي الخريف يتهيأون للربيع موسم الأفراح والحصاد، وفي الشتاء يستعدون لـ(الـضواغي) ونزول البحر، وفي الصيف يواجهون الجوع والعطش بالصبر والتحمل والأكل من مخزون الحنطة والحبوب من الذرة والدجر والمسيبلي (نوع من الدخن).ومما يضيفه بعض المسنين أيضًا أن بعض السكان كانوا يجمعون الصمغ العربي (آملووخ) ويتناولونه كوجبة شهية، يدفعون به الجوع.
وكانت الأرض في تلك الأيام حافلة بوافر من الثمار البرية، من بينها: (التين البري بأنواعه، والبيضح والروب جذور صغيرة مدورة تشبه البطاطا ولكنها تؤكل نيئة طازجة بدون طبخ)، وكذلك كانوا يأكلون لحاء بعض الأشجار يمتصون رحيقها من الماء والسكر، ويجمع كل من شهد تلك المرحلة بأن الرخاء العميم الذي يعيشه الإنسان في عمان وجميع بلدان الخليج يستوجب شكر الله سبحانه وتعالى على ما نعيشه اليوم من رفاهية ورخاء وعيش هنيء.
❋ رئيس أكاديمية النجاح للنمية البشرية