أحمد صبري:
يقف مقتدى الصدر حائرا في مواجهة حلفاء الأمس الذين أشهروا بطاقة تعطيل البرلمان لانتخاب الرئيس الجديد باللجوء إلى الثلث المعطل أو الضامن، كما يوضح الإطار التنسيقي الشيعي في معرض وصف خطواته التعطيلية في مواجهة الحلف الثلاثي بين الصدر والسنة والأكراد.
وما يزيد من حيرة الصدر هو دعوات خصومه في الإطار الشيعي الذين يحذرونه من فقدان استحقاق المكوِّن الأكبر (الشيعة) من تشكيل الحكومة المقبلة، وكان تحالفه مع السنة والأكراد يسعى لحرمانهم من هذا الحق أو الاستحقاق الذي بات عرفا ما بعد مرحلة الاحتلال.
وخيار اللجوء إلى الثلث المعطل لمواجهة خيار حكومة الأغلبية التي يدعو لها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عدها مراقبون استنساخ التجربة اللبنانية التي عطلت الحياة السياسية، وأدخلت لبنان بالمجهول في محاولة لتعطيل عمل البرلمان ومنعه من الانعقاد من خلال عدم تأمين النصاب القانوني المطلوب.
إن مسلسل تسمية رئيسي الجمهورية والحكومة هو الأصعب؛ نظرا لاتهام الإطار التنسيقي الذي طعن بنزاهة الانتخابات وشكك بصدقيتها، ويضم القوى الخاسرة بالانتخابات التي ترفض خيار حكومة الأغلبية وتفضل حكومة توافقية.
طبقا لواقع الحال، فإن الثلث المعطل يشكل تهديدًا قد يشل الحكومة المقبلة، ولا يستطيع مجلس النواب التصويت لرئيس الجمهورية من دون حضور ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، المكوَّن من 329 عضوا.
وفي ظل هذا الصراع والاستقطاب السياسي وانسداد أفق التفاهم بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، فإن لغة التهديد واستهداف السفارات والمواقع المدنية التي يلجأ إليها الرافضون لحكومة الأغلبية ونتائج الانتخابات هي رسائل سياسية قد تنذر بمعركة كسر عظم بين حلفاء الأمس وأعداء اليوم لم تنجح وساطات طهران، ولا رسلها لمعسكر حلفائها الذي بدأ يتصدع بعد إصرار الصدر على استبعاد نوري المالكي من أي حل وسط، وهو الخيار الذي رفضه الإطار وتمسك بالمالكي.
وما يقلق المعسكر المناهض للصدر أنه يسعى لتأسيس نظام سياسي جديد على أعقاب فشل وإخفاق حكوماته الخمس، وتحتاج إلى طيّ صفحاتها التي لم تستطع مواجهة أزمات الفساد والأمن والاستقرار والفقر والجوع والإقصاء، ومنع تغول السلاح بالمجتمع وعسكرته، هذا الفشل والطبقة السياسية التي احتمت بنظام التوافق والمحاصصة الطائفية ينبغي أن يرحل ونتائج الانتخابات الأخيرة الدليل على صحوة شعبية هي امتداد لانتفاضة تشرين التي وضعت هذه الطبقة في قفص الاتهام لمسؤوليتها عن أزمات العراق المتتالية.
وما يزيد من حال الارتباك السياسي وتناقض المواقف بين القوى النافذة بالمشهد السياسي هو رصد التسويق السياسي للثلث المعطل من نفس الأحزاب التي تسيَّدت الموقف بعد احتلال العراق، وكأنه خيار لوقف محاولات انتزاع هذا الحق لحماية استحقاق المكوِّن الأكبر في تشكيل الحكومة.
ورد مقتدى الصدر طلبا لإجراء لقاء جديد مع قادة وممثلين عن "الإطار التنسيقي الشيعي"، لبحث حلول جديدة للأزمة بعرض للقوى السياسية المناوئة له، يتضمن مهلة 40 يوما لتشكيل الحكومة الجديدة بمفردها بمعزل عنه، وذلك بعد رفض قوى الإطار التنسيقي مشروع الصدر المتضمن تشكيل حكومة أغلبية وطنية ببرنامج واسع يمتد لأربع سنوات مقبلة، في وقت تطالب تلك القوى بحكومة توافقية تشارك بها كل القوى السياسية.
وربما خلوة الصدر خلال شهر رمضان قد تبلور رؤية لحال الانسداد السياسي وتأذن بفتح الباب المغلق أمام حلفاء الأمس.