نجوى عبداللطيف جناحي:
حتى في رمضان لا نسلم من إزعاج المراجعين، قال هذه الجملة متذمرا ويتمنى لو أن جميع الخدمات التي تقدمها المؤسسة التي يعمل بها تتوقف في رمضان. أيها الموظف الصائم: ما بالك تتذمر وتتأفف من عملك؟ ألا ترى أن في العمل عبادة، وفي خدمة الناس رضا لرب العالمين؟ فلِمَ لا تحتسب عملك وخدمتك للناس بابا ترتجي منه الأجر والثواب من الله؟
أيها الموظف الصائم: رحماك بمَنْ حولك!! فما ذنب المراجع يتحمل عبوسك وتسويفك في العمل، وترددك في إنجاز المعاملة وتقديم الخدمة له، فيعاني ذاك المسكين الأمرَّيْن من سوء تقديم الخدمة، ومن سوء المعاملة، فيضطر للعودة مرة ثانية لإنجاز المعاملة فيعاني الأمرَّيْن؟ فأنت في رمضان تقصِّر في عملك وتضيع الوقت وتقلل من إنتاجيتك وتقل عدد ساعات عملك وتقل جودة أدائك، أما عن مزاجك المضطرب فحدِّث ولا حرج، فزملاؤك قد ذاقوا الأمرَّيْن وتحملوا تذمرك المستمر. كم مرة نمت فيها في المصلى لتعوض ما تعانيه من نقص النوم؟ وكم مرة نمت على طاولتك؟ وكم ساعة نمت فيها في السرير بمنزلك لتصل للعمل متأخرا؟ تسيب وتقصير وتفريط كل هذا في شهر رمضان!!! ألا ترى أيها الموظف الصائم أن في تقصيرك في خدمة الناس تفريطا للأمانة؟ ألا تخشى أن يكون هذا الفعل ذنبا وسببا لعقاب الله لك؟
عجبي!!! أكل هذا التذمر والتأفف والتفريط في العمل، وأنت تعمل في مكتب فتجلس على كرسي مريح، وغرفتك باردة مكيفة فلا تعاني من شمس ولا حر، أنت لا تبذل جهدا بدنيا فتزداد جوعا وإرهاقا وعطشا، ولا تعمل في أماكن عالية فيها مخاطر السقوط، ولا تقف أمام لهيب التنور لتخبز الخبز لتبيعه للناس، ولا تنتقل إلى مكان عملك سيرا على الأقدام أو مستقلًّا دراجة، فأنت متكئ على كرسي مريح، وتستقل سيارة مكيفة باردة. أبعد كل هذا تتذمر وتشتكي من الإرهاق؟!!
نعم أنت تعاني من تغيير نظام حياتك الذي تألفه دائما، سواء في مواعيد نومك أو مواعيد تناول وجباتك، وتعاني من قلة النوم نتيجة السهر في ليالي رمضان، فقد تقضي ليالي رمضان في المسجد معتكفا أو في خيمة رمضانية تتسامر فيها مع أصدقائك، وتلتزم بموعد وجبة السحور قبيل صلاة الفجر، حقا إن السهر يغير المزاج ويرهق الإنسان، ولكن ألا ترى أنك تبالغ في ردة فعلك هذا؟!!! أتراك الوحيد الذي يعاني من السهر؟ أتعتقد أن تحملك للسهر يفوق طاقتك؟!!! فانظر إلى زميلتك التي تسهر الليل طوال العام مع رضيعها تهدهده وتحمله بين ذراعيها، أو مع ابنها المريض، فلا يكاد جسدها يستلقي على السرير ساعتين متتابعتين. وبعد قضاء ليلة في القلق والهمِّ والتوتُّر والسهر، ترتدي ملابسها وترسم ابتسامة مصطنعة على وجهها وتباشر عملها متجلدة ثابتة؛ كي لا يتهمها زميل أو مسؤول بأنها عاجزة عن التوفيق بين عملها وبين مسؤولياتها الأسرية. فخذ من هذه المرأة مثلا وتجلد واصطبر.
نعم اصبر واصطبر وصابر، فهذا الشهر الفضيل يعودنا على الصبر وقوة التحمل، فنصبر على الجوع والعطش ومقاومة أنفسنا عندما نشتهي لذيذ الطعام، ونصبر على العبادة من صلاة واعتكاف في المسجد، وقراءة قرآن، ونطرق باب الأجر والثواب بصلة الرحم، نصطبر على قلة النوم والسهر في العبادة، فأتمم عبادتك الرمضانية بإتقان للعمل وحسن خدمتك للناس.
أيها الموظف الصائم: أنت تظن أن الجوع وعدم تناول الطعام يؤثر سلبا على قدرتك على التركيز في العمل، فتعذر نفسك وتطالب الناس أن يعذروك، ولكن مهلا!! فأنت واهم؛ فالأطباء وهم أهل الاختصاص يقولون عكس ذلك، فقد أثبتت الأبحاث أن جسم الإنسان عندما يتعرض للحرمان من الطعام والشراب يفرز مادة "الأوريكسين" التي تُعد ناقلا عصبيا يفرز مركّزا في المخ يدعى بـ"المركّز تحت المهادي"، وهو المسؤول عن عملية الإدراك والتركيز، وفقد أكد ذلك الدكتور فيصل مهداوي من المستشفى الجامعي مصطفى باشا بالجزائر. فلا تظن أن الجوع هو سبب عدم قدرتك على التركيز، بل هو الوهم والاعتقاد الخاطئ. وتذكَّر أنك تستلم مقابل عملك راتبا كاملا، فانجز عملك كاملا.
إن شهر رمضان هو شهر الجد والعمل وشهر الخير والوفاء، سواء فيما يتعلق بالعبادات المتعلقة بالمولى عزَّ وجلَّ أو بالمعاملات المتعلقة بالأعمال وحقوق الآخرين، وينبغي ألا يُحمَّل رمضان بما ليس له علاقة به من تقصير البعض في قيامه بعمله أو التزامه تجاه الآخرين، فأحسن صيامك وأحسن عملك... ودمتم أبناء قومي سالمين.