علي بن سالم الرواحي :
كمال الشريعة الإسلامية:
يأتي كمال الشريعة من جهة الأخلاق، فلا يكتمل الدين إلا بها، بل هي الغرض من البعثة النبوية، ففي الحديث:(بُعِثْتُ لأٌتمِّم مكارم الأخلاق)، وفي الحديث أيضًا قَالَ النبي (صلى الله عليه وسلم) للمنذر بن الأشج:(إنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِ مَا، أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ، يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ)، وفيه أن الأخلاق قد تكون طبعية لقوله (جبلك الله عليهما) أو كسبية لقول الأشج:(أنا أتخلق بهما).
ولقد جمع الله سبحانه وتعالى بين الإيمانيات والعبادات والمعاملات والأخلاقيات في معنى واحد هو البر، قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة ـ 177)، فإذا تخلف إحداها عن نظمها، ضاع باقيه.
ثبات الأخلاق وتغير الآداب:
وبما أن الأخلاق تنبثق من قواعد الدين التي لا تتغير، والدين بطبيعته لا يتغير، إذاً يأتي من هنا ثباتها، ومن حيث أنها قد تكون حميدة أو ذميمة، ويكون هناك اكتساب فيها من جهة العبد اي اختيار له فيها، والفاعلية الإلهية ـ أقدار الله ـ هي في طول الفاعلية الإنسانية المتحققة واقعاً بلا تنافٍ بينهما، قال الله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير ـ 29)، ويدل السلوك على الأخلاق دلالة ظنية لا قطعية، لأن السلوك قد ينبع من أكثر من خُلُق واحد، والإنسان بطبيعته المتناهية ذو غاية محدود تكون باختياره ثم يسعى لتحقيقها.